بين عدل عمر واستخفاف فرعون: هل نعيد اكتشاف أنفسنا في موريتانيابقلم: ✍️أحمدجدوحني

7 نوفمبر, 2025 - 17:29
احمد جدو ولد حني/كاتب ومحلل سياسي مقيم في الإمارات العربية المتحدة

في التاريخ الإسلامي لا توجد رسالة سياسية أو قضائية أكثر اختصارا وعمقا من تلك التي كتبها الخليفة عمر بن الخطاب إلى قاضيه أبي موسى الأشعري حين قال له:
"آسِ بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا ييأس الضعيف من عدلك ولا يطمع الشريف في حيفك."
كانت تلك الرسالة بمثابة دستورٍ للعدالة الاجتماعية قبل أن تعرف الدساتير فعدل عمر لم يكن شعارات ترفع بل ممارسة يومية تتجلى في الميدان في السوق كما في المسجد وفي القضاء كما في السياسة.
ولعلّ قوله الآخر: "نحن أمة أعزّنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزّة بغيره أذلّنا الله."
يعبر عن فلسفة القيادة في الإسلام فالعزة لا تأتي من المال ولا من الجاه بل من الالتزام بالمبادئ والقيم التي تصنع الإنسان الحر والمجتمع العادل.
لكن على الجانب الآخر يرسم القرآن الكريم صورة قاتمة حين يتحدث عن فرعون إذ يقول الله تعالى: "فاستخف قومه فأطاعوه."
مشهد الطغيان والاستخفاف بالعقول يتكرر في كل زمان ومكان حين يغيب العدل ويقتل الوعي ويستسلم الناس للظلم باسم الخوف أو المصلحة أو العادة.
بين عدل عمر واستخفاف فرعون.. أين نقف نحن؟
سؤال مؤلم لكنه ضروري في واقعنا الموريتاني اليوم. هل نحن أقرب إلى عدل عمر الذي ساوى بين الناس أم إلى استخفاف فرعون الذي استعبدهم تحت وهج الدعاية والرهبة؟
حين نرى المواطن الضعيف يرهقه البحث عن حقه البسيط في العدالة أو الخدمات بينما تفتح الأبواب لمن يملك النفوذ أو القرابة ندرك أن الخلل ليس في النصوص بل في النفوس.
وحين تصبح الواسطة أقوى من الكفاءة والصمت أثمن من قول الحقيقة نكون قد بدأنا نسير –من حيث لا نشعر– في طريق القوم الذين استخف فرعون عقولهم فأطاعوه.

فياأيهاالموريتاني اعلم أن العزة لا تُستورد
موريتانيا بلد يملك رصيدا من القيم الدينية والعلمية يجعلها مؤهلة لأن تكون نموذجا في العدالة والكرامة. لكن العزة لا تُستورد، ولا تمنح بالخطابات إنها تبنى حين يثق المواطن في مؤسساته ويشعر أن القانون يحميه لا يعاقبه وأن القضاء ملجأه لا متاهة أمامه.
أماالعزة التي تحدث عنها عمر تبدأ من هنا: 
من المدرسة التي تُعلّم الحرية من الإدارة التي تحترم المواطن، ومن الإعلام الذي يقول الحقيقة دون خوف أو ولاء أعمى.
نحن بحاجة إلى استعادة المعنى قبل الشعارات أن نعود إلى جوهر الإسلام الذي رفع عمر وسقط بتركه من بعده. وأن نعيد للعدالة هيبتها، وللضمير سلطته، وللمسؤول معنى الأمانة لا الغنيمة.
فلا خوف على أمة ينام فيها الحاكم مطمئنا لأن القضاء مستقل ويعيش فيها المواطن واثقا لأن القانون عادل. لكن الخوف كل الخوف من أن نصبح مثل قوم فرعون يستخف بنا الطغيان فنصفق، ويهان وعينا فنصمت ثم نصبح بعد حين بلا صوت ولا قيمة.

أخي القارئ أختي كذلك

إن الفرق بين عدل عمر واستخفاف فرعون ليس مجرد مقارنة تاريخية، بل خيار وجودي يواجه كل مجتمع في كل زمان.
وفي موريتانيا ما زال الباب مفتوحا لأن نختار:
هل نريد أن نكون أمة تعز بالعدل أم شعبا يهان بالاستخفاف؟