تحول أمن الرؤساء الأفارقة إلى هاجس يؤرق الحراس الذين يرافقونهم مثل ظلهم رغم تمتعهم بكفاءة عالية وتزويدهم بمعدات فائقة إلا أن عددهم صغير.
وأجرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية تحقيقا نشرته في سلسلة من المقالات حول رجال الأمن المكلفين بحماية رؤساء الدول الإفريقية، وكواليس عمليات التأمين في جميع تنقلاتهم، ويكاد يكون استخدام عناصر الحراسة من الأجانب قاسما مشتركا في أجهزة رئاسة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ففي غينيا كان من السهل الدخول إلى قصر الرئاسة في العاصمة الغينية كوناكري نظرا لأن الرئيس ألفا كوندي اعتاد التصرف بحرية دون قيود ولم يتوقع يوما ما أن يناصبه أحد العداء، غير أن الهجوم الذي استهدف منزله في 19 يوليو 2011 غير مجرى الأمور تماما إذ تم بعدها تشديد كافة إجراءات الحماية الشخصية للرئيس كوندي داخل قصر الرئاسة "سيكوتوريا".
وفرضت تعليمات صارمة بضرورة ترك الهواتف المحمولة قبل الدخول إلى القصر، والمرور من خلال بوابة أمنية، وتفتيش الحقائب، وغسل الأيدي بالمطهرات تخوفا من عدوى الإيبولا.
وذكرت "جون أفريك" أن زمن الحرس "الإمبراطوري" كثير العتاد الأشبه بأنه "جيش داخل الجيش" قد ولى، وهو ما كان يثير حفيظة المواطنين بطبيعة الحال إلا أن هؤلاء الحراس أنفسهم كانوا يشكلون في كثير من الأحيان مصدر خطر على حياة "سادتهم" لسهولة رشوتهم وحثهم على الانقلاب ضدهم.
وأشارت المجلة إلى أن وحدات النخبة المكلفة بحماية الكثير من الرؤساء الأفارقة أثبتت أن قدراتها محدودة، مثلما هو الحال بالنسبة للوحدة الرئاسية الخاصة كثيرة العدد غير المجدية التي كانت ترافق رئيس جمهورية زائير سابقا (جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليا) موبوتو سيسي سيكو، أو فرقة الأمن الرئاسي التي تركت رئيس بوركينا فاسو السابق بليز كومباوري يواجه مصيره بعد ثورة شعبية أطاحت بحكمه في 31 أكتوبر 2014، أو كتيبة الأمن الرئاسي في موريتانيا التي دبرت انقلابا على حكم الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد طايع في أغسطس 2005.
وتابعت:"استبدل الرؤساء مجموعات من المحترفين المدربين في الخارج والمنتمين في معظمهم إلى نفس الأصول التي ينحدر منها الرؤساء ويرتدون زيا مدنيا بقوات الحرس القديمة، وعهدت إلى تلك المجموعات قريبة الشبه من "جهاز الخدمة السرية الأمريكي" أو "مجموعة أمن رئيس الجمهورية الفرنسي"، بمهمة تأمين قصور الرئاسة من الداخل بينما تركت مهمة مراقبة الأسوار والأفنية الخارجية لأفراد يرتدون الزي العسكري".
وأوضحت أنه إذا كان لا يزال هناك عدد قليل من رؤساء الدول (مثل: الكاميرون وتشاد والكونغو) يتسببون في عرقلة السير في نصف العاصمة تقريبا لساعات طويلة في الطرق المؤدية إلى وجهتهم - المطار على سبيل المثال -، فإن هذا الأسلوب أصبح في طريقه إلى الزوال في كثير من هذه الدول، ويعرف باسم "التزجيج الوقائي" (أي فرض حاجزا زجاجيا افتراضيا حول الرئيس لحمايته طوال سيره في شوارع العاصمة) حيث ترافقه مروحيات قتالية تحلق فوق الموكب الرئاسي، لكن هذه الطريقة تفقد الرئيس شعبيته كما أنها غير مجدية وتعرض حياته للخطر لأنها تكشف بوضوح عن خط سيره وهو ما يجعله هدفا سهلا لأعدائه.
وذكرت المجلة أن الرئيس الرواندي بول كاجامي أصبح - وهو من أكثر رؤساء دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حماية - يتجول في شوارع العاصمة كيجالي دون استعدادات مسبقة إذ ترافقه سيارتان لحمايته فيما يقود بنفسه سيارته المصفحة ذات الدفع الرباعي، مضيفة:"كما هو الحال في كثير من دول العالم، لا يبدو أمن الرؤساء الأفارقة أيضا منيعا إذ يمكن اختراقه في كثير من الأحيان، إنهم يتلقون دائما التهديدات، ويمكن التذكير هنا بحادثة اغتيال رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية لوران ديزيريه كابيلا، الذي قتل برصاص رشيدي كاسيريكا أحد حراسه الشخصيين، وعلى مدى سنوات طويلة، عهد نجله الرئيس الكونغولي الحالي جوزيف كابيلا إلى رجال أمن من زيمبابوي بحمايته قبل أن يحل محلهم شباب ينحدرون من إقليم كاتانجا جرى اختيارهم وتدريبهم بعناية فائقة".
وبحسب الدورية الفرنسية تلعب شركات الأمن الخاصة دورا هاما فى تأمين الرؤساء الأفارقة، ففي جمهورية غينيا التحق "ديفيد"، وهو حارس شخصي بلجيكي الجنسية تبدو هيئته وكأنه عسكري سابق، مؤخرا بالحرس الشخصي لرئيس غينيا ألفا كوندي حيث يمكن تمييزه بسهولة بين بقية الحراس لأنه الشخص الأبيض الوحيد الذي يرافق كوندي في جميع تنقلاته.
ويقول أحد المقربين من الرئيس الغيني: "إنه (ديفيد) شخص لطيف جدا لكنه لا ينشغل سوى بسلامة الرئيس فقط عندما يبدأ العمل".