عندما تطالب “حماس” بتسليم رقبتها للذبح! حسين لقرع

16 أبريل, 2025 - 23:12

 

من المفارقات في هذا العالم الجائر، أن يزوّد الاحتلال الصهيوني بأحدث الأسلحة وأكثرها تطوّرا وفتكا بأجساد الأطفال والنساء في غزة، كالقنابل العملاقة التي يناهز وزنها طنّا والصواريخ الموجّهة التي تلقيها طائرات “الشبح” الأمريكية، في حين تطالب الضحية بنزع سلاحها، وهو سلاح دفاعي خفيف لا يتجاوز بنادق “الكلاشينكوف” والعبوّات الناسفة وقذائف “الياسين 105″…!

طيلة سنة ونصف سنة من حرب الإبادة والتدمير الجهنّمية في غزة، سمعنا قادة الاحتلال يردّدون مرارا أنّه لا وقف للحرب إلا بعد تحقيق “النصر المطلق” على “حماس” والقضاء عليها وتحرير الأسرى، ولمّا عجزوا عن ذلك بالقوّة الغاشمة، بدأوا يتحدّثون عن ضرورة نزع سلاح المقاومة وإسقاط “حماس” من حكم غزة ونفي قادتها إلى الخارج، واشترطوا ذلك لإنهاء الحرب وإدخال المساعدات وإعادة إعمار القطاع، وبدأوا يضغطون في هذا الاتجاه من خلال تجويع 2.3 مليون فلسطيني بمنع الغذاء والمساعدات الإنسانية عنهم منذ 2 مارس الماضي؛ أي أنّ الاحتلال يريد أن يحقّق بالسياسة والحصار الجهنّمي ما عجز عنه بالحرب.

والمؤسف أن تتماهى دولة عربية كبيرة مثل مصر مع الاحتلال في هذا المسعى وأن تنقل إلى “حماس” طلب الكيان نزع سلاحها، وتبلّغها أنه “لا اتفاق لوقف الحرب من دون التفاوض على نزع سلاحها”، وهو ما فاجأ الحركة وأزعجها بشدّة ودفع أحد قادتها إلى الإدلاء بتصريح لقناة “الجزيرة” أبدى فيه تذمّره من موقف مصر الذي بدا مقتنعا بشرط الاحتلال لوقف الحرب، إذ يكفي أن تنحاز الولايات المتحدة إلى الكيان وتتبنّى مطالبه وشروطه المجحفة وغير المقبولة، أمّا مصر، فعليها أن تكون وسيطا محايدا ونزيها إذا رفضت الانحياز للمقاومة، وأن تسعى لإقناع الاحتلال بتنفيذ المرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار، أو على الأقل، تضغط عليه لإدخال الغذاء والماء والدواء والمساعدات الإنسانية، وهذا أضعف الإيمان، بدلا من أن تضغط على “حماس” لقبول شرط نزع سلاحها، وهو شرط تعجيزيّ تعرف مصر جيّدا أنّ نتنياهو قد وضعه عمدا لعرقلة أيّ اتفاق جديد تضغط الولايات المتحدة باتجاه التوصّل إليه.

سلاح المقاومة في غزة خطّ أحمر، وغير قابل للتفاوض عليه نهائيّا.. بفضل هذا السلاح، حرّرت المقاومة قطاع غزة في أوت 2005 بعد 5 سنوات من المعارك الطاحنة مع جيش الاحتلال خلال الانتفاضة الثانية، انتهت بإجبار رئيس الحكومة الأسبق أرييل شارون على سحب جيشه ومستوطنيه والخروج من غزّة مذموما مدحورا، وبفضل هذا السّلاح أيضا، دافعت المقاومة عن غزة طيلة العشرين سنة التي أعقبت التحرير، وبه قامت بغزوة 7 أكتوبر المجيدة التي كسرت عجرفة جيش الاحتلال وأسطورته المزيّفة، وصمدت أمام الآلة العسكرية الصهيونية والأمريكية الجبّارة طيلة سنة ونصف سنة من الحرب، وكبّدت الاحتلال خسائر بشرية ومادية فادحة، دفعت نحو 100 ألف جندي احتياطي اليوم إلى التمرّد وعدم الالتحاق مجدّدا بالجيش، كما دفعت الآلاف من الجنود والقادة في مختلف أنواع الأسلحة إلى إمضاء سبعة عرائض تطالب نتنياهو بإنهاء الحرب وعقد صفقة تبادل الأسرى.. أبعد كلّ هذا الصمود الأسطوري والتّضحيات الجسيمة للمقاومين وللشعب الفلسطيني بغزة، تطرح مسألة نزع سلاح المقاومة بهذه البساطة الشديدة؟ ألا تدري مصر أنّ ذلك سيسهّل احتلال غزة وحصار أهلها لدفعهم إلى الخروج تباعا منها وتركها لشذّاذ الآفاق من المستوطنين في إطار خطة التهجير التي وضعها ترامب؟

لقد عارضت مصر بشدّة تهجير الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر 2023 وأغلقت حدودها حتى لا يترك فلسطينيّ واحد أرضه للصهاينة، وهو موقف محمود، كما عارضت بشدّة مخطط ترامب لتهجير الفلسطينيين وعقدت قمة عربية وضعت خطة بديلة له، وهي مشكورة على ذلك أيضا، ولكن ما بالها الآن تناقش “حماس” في مسألة نزع سلاحها، والحال أنّ ذلك سيسهّل على الاحتلال تنفيذ خطة ترامب؟

إنّ مطالبة “حماس” بإلقاء سلاحها معناه مطالبتها بقطع يديها بنفسها وتسليم رقبتها ورقاب حاضنتها الشعبية في غزة للذبح، ماذا جنت منظمة التحرير الفلسطينية في صيف 1982 حينما خرجت بسلاحها من بيروت غير ذبح آلاف الفلسطينيين في مخيّمي صبرا وشاتيلا على يد شارون وحلفائه من “الكتائب اللبنانية”؟

لو تعلّق الأمر بمطالبة “حماس” بترك حكم غزة، لكان مفهوما وقابلا للنقاش؛ فهي أصلا لم تعُد متشبّثة به، ومستعدّة لتسليمه لـ”لجنة إسناد مجتمعي” أو غيرها ممن يختاره الفلسطينيون بغزة، أما أن يتعلّق بنزع سلاحها ورفع الراية البيضاء والاستسلام المهين للعدوّ، فهو قطعا لن يحدث؛ لأنّه يعني التخلي عن القدس والأقصى وتمكين الاحتلال من قطع خطوة جبّارة على درب تصفية القضية الفلسطينية برمّتها وحسم الصراع لصالحه.. إذن ليواصل العدوّ محاولاته نزع سلاحها بالقوّة، ولن يجني في النهاية إلا الهزيمة والخيبة.

 

٨