
في زمن الأنظمة القومية العربية ، بصرف النظر عن أخطائها و عيوبها في ممارسة السلطة ، إلا أنها كانت ترفع شعارات تلهم و تذكي الروح المعنوية للجماهير العربية و شبابها بالنضال الحركي و الكفاحي على امتداد خريطة الوطن العربي ، حيثما يرفع عرب السلاح و يخوضون الكفاح لرفع الظلم.
و منذ صعد تيار الإسلاموية، مباشرة بعد غزو العراق و احتلاله، أصبح نشاط الأمة مختزلا في تجميع الأموال؛ فكل شيء بالمال و كل شيء من أجل المال. فشعار النضال المرفوع في حقبة هذا التيار هو جمع المال: الفتيات، في سن المراهقة، يجمعن المال، و الفتيان، في سن الحيوية و النزق، يجمعون المال في الأحياء و داخل المساكن و المدارس، و الشيوخ ذوي اللحى الكثيفة يجمعون المال لدى فاعلي الخير و أثرياء مشيخات الخليج ، و السيدات اللائي كسبن سياسيا بالمال يستخدمن في تعبئة المال لدى المؤسسات المحلية و الأثرياء المحليين، رجالا و نساء، ... و لم يعد من مناشط النضال في عهد هؤلاء إلا استنساخ جمعيات التبرع للأيتام و الفقراء و مرضى السرطان و تليف الكبد و الفشل الكلوي و أمراض القولون و انسداد الأمعاء و البواسير الداخلية و البواسير الخارجية، و لكل من هذه الأمراض جمعيات إسلامية ... إلى الحد الذي بات فيه توجيه الشباب لغير جمعيات و نوادي التسول الخيري أمرا مريبا " دينيا " في أعين هؤلاء البشر الذين تحولوا ، طائعين، لله و رسوله، إلى " أكياس للنقود"!!
اليوم، لم يعد في واقع الأمة تقويم لأي جهد إلا بما يقابله من المال ، و لا يقوم فيها أحد بجهد إلا مقابل ما يناسب جهده من المال! حتى المشاركة في احتجاجات طلابية أو نقابية أصبحت معوضة، حتى وضع النقاب على السيدات معوض لتكثير سواد المنقبات في الشوارع، كنوع من الإرهاب السلوكي!
لقد نهج اليهود هذا النهج في جمع المال و توظيف المال في مشاريعهم السياسية إلا أنهم واكبوا ذلك بالحرص على التعليم النوعي لأتباعهم، فكانوا زبدة الفكر و العلم بشتى اختصاصاته في كل النخب العالمية، بينما غاب عن التيارات الإسلاموية الاهتمام بالعلم، و اكتفوا، في تأطير أنصارهم، بإتقان الخطابة و البذاءة اللفظية و خشونة السلوك بالنسبة للوسطيين منهم، و بالتكفير و التفجير بالنسبة للمتطرفين، بحق المخالفين لهم! هذا الواقع هو الذي يفسر التواري المخزي لشباب الأمة عن النزول إلى الشوارع انتصارا لأهل فلسطين كما كانوا يفعلون تلقائيا في حقبة الأنظمة القومية، بينما ينتظر الشباب ، منذ مجيء حقبة الإسلاموية، من يشري مواقفهم ... لينزلوا إلى الشوارع انتصارا لأهل غزة!!