شكرا للأحرار في هولندا! /حسين لقرع

10 نوفمبر, 2024 - 13:12
حسين الاقرع /اعلامي جزائري

ما حدث بالعاصمة الهولندية أمستردام لنحو 3 آلاف صهيوني مشجّع لفريق “مكابي تل أبيب” من ضرب ومطاردات مُذلّة في الشوارع، ليس سوى نتيجة طبيعية للاستفزازات الصارخة التي قام بها هؤلاء الحاقدون تجاه الفلسطينيين والعرب طيلة يوم كامل؛ إذ اعتدوا قبل المباراة الكروية على سائق تاكسي مغربي، ثم أنزلوا العلم الفلسطيني من واجهة إحدى البنايات ومزّقوه وأحرقوه، كما كانوا يردّدون “الموت للعرب” طيلة المباراة التي رفضوا فيها حتى الوقوف دقيقة صمت على 205 ضحية من الإسبان الذين توفوا نتيجة الإعصار الأخير، فأشعلوا الألعاب النارية في المدرّجات ابتهاجا، وكذا نكاية في الحكومة الإسبانية التي رفضت حرب الإبادة في غزة، ومنعت سفنا صهيونية محمّلة بالأسلحة من الرسوّ في موانئها.. ما يدلّ على مدى انحطاط أخلاق هؤلاء الغوغاء والفاشيين.

ونتيجة لكلّ هذا الكمّ من الاستفزازات التي لا تُطاق، فقد تلقّى هؤلاء الرّعاع المتبجّحون ما يستحقّون من عقاب، وطاردهم آلاف الهولنديين والمهاجرين العرب والمسلمين في الشوارع وضربوهم وكسروا عجرفتهم وأذلّوهم إلى درجة إجبار بعضهم على ترديد عبارة “فلسطين حرّة”.
المفارقة أنّ هذه الأحداث لم تقع لسياح صهاينة في أيّ عاصمة من عواصم التطبيع العربية التي يسرح فيها الصهاينة ويمرحون بلا ضوابط، بل جرت في العاصمة الهولندية التي عادة ما يوصف ناديها الكروي الشهير “أجاكس أمستردام” بـ”النادي اليهودي”، ومن طرف الهولنديين وثلّة من المغاربة والمهاجرين العرب والمسلمين، وهذا الأمر له دلالة واضحة لا تخفى عن لبيب؛ فحرب الإبادة بغزة التي تتواصل منذ 13 شهرا كاملا، وما جرى فيها من مذابح ضدّ الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين عامّة، وما حدث من تدمير للمساكن والمدارس والمستشفيات وحتى لآبار المياه وغيرها من منشآت البنية التحتية للفلسطينيين، بدأت تفتح عيون شعوب العالم على الحقيقة الإجرامية الفاشية الحاقدة لهذا الكيان الذي يتصرّف خارج أيّ قواعد للقانون الدولي الإنساني، ومن ثمّة، فقد تصاعدت موجات الكراهية ضدّه حتى أنّنا رأينا مئات المسيرات الشعبية في شتى العواصم والمدن الأوروبية والغربية.. ومع تواصل الحرب الآن، وحصار شمال غزة ومنع الطعام والماء والدواء عن عشرات الآلاف من الفلسطينيين هناك منذ أزيد من شهر، فقد تصاعدت مشاعر الكراهية لهذا الكيان النازي البغيض في قلوب أحرار العالم، ومنهم أحرار هولندا الذين هاجموا الأوباش الصهاينة وضربوهم وأذلّوهم، فضلا عن شرفاء المغرب الذين أكّدوا مجدّدا أنّهم في واد والمخزن المتصهين في واد آخر.
ولأنّ الأحداث وقعت في عاصمة أوروبية كبيرة وليس في بلد عربي مطبّع كما أسلفنا، فقد كان وقعه شديدا على قادة الاحتلال الذين وصفوها بـ”المروّعة”، لأنّها مؤشّر واضح على بداية انهيار السردية الصهيونية واتّساع دائرة التعاطف العالمي مع الفلسطينيين، وهنا لم يجد قادة العدوّ سوى ترديد عبارات ممجوجة لترهيب الهولنديين، من قبل أنّها هجمات “معادية للسامية”، بل إنّ سفير الاحتلال لدى الكيان الصهيوني بالغ بشكل مهول في تضخيم أحداث الضّرب، ووصفها بـ”الاضطهاد” و”العنف الشديد” الذي زعم أنّه يمارس على “اليهود في شوارع هولندا”، وقال إنها “مذبحة تجري حاليا في أوروبا في سنة 2024″؟! أليس هذا أمرا مثيرا للسخرية؟ إذا كانت مطاردة مئات الصهاينة في شوارع أمستردام وتوجيه لكمات وركلات إليهم “مذبحة!”، فكيف يصف إذن هذا السفير ما يجري في غزة منذ 13 شهرا من تمزيق أجساد آلاف الأطفال والنساء إلى أشلاء؟ ولماذا يزعم السفير أنّ “يهود هولندا” يتعرّضون لـ”الاضطهاد” و”العنف الشديد” والحال أنّ الأمر يتعلّق بمستوطنين قدموا من الكيان لمناصرة فريقهم الصهيوني، وليس بيهود هولندا الذين يعيش 15 ألف منهم في هذا البلد سلميا مع المهاجرين المسلمين منذ عقود من دون أن يحدث ضدّهم أدنى اعتداء؟ أليس هذا قلب للحقائق بغية استدرار عواطف الأوروبيين وتحريضهم على المسلمين وتغذية الإسلاموفوبيا؟
إنّه تلاعب صارخ بالكلمات من صهاينة تعوّدوا على التهويل حينما يتعلّق الأمر بهجمات تطالهم ولو اقتصرت على اللكم والرّكل والشّتم، أمّا حينما يرتكب جيشهم مجازر مهولة بقنابل عملاقة تزن 970 كيلوغرام، ويدمّرون بها المدارس ويقتلون الأطفال، فيبرّرونها بـ”الدفاع عن النفس” ويشيد بها مستوطنوهم ويتغنّون بها في الملاعب، ألم يردّد هؤلاء الحاقدون عبارة “لا توجد مدارس في غزة، لأنّه لم يعد هناك أطفال”!
في جميع الأحوال: شكرا يا أحرار هولندا، وشكرا لكلّ المهاجرين العرب والمسلمين الذين طاردوا هؤلاء الحثالات في شوارع أمستردام وأشبعوهم ضربا ولقّنوهم درسا قاسيا، لقد فعلتم ما كان يتوجّب فعله في شوارع دول عربية متصهينة منبطحة، ونأمل أن يتكرّر كثيرا هذا المشهد المشرّف في مدن أوروبية وعالمية أخرى.