يزعم البعض أن “كمالا هاريس” ستمكّن الفلسطينيين من حقوقهم إذا فازت، وأن “ترامب” سيدعّم الصهاينة أكثر ويمنع حدوث ذلك، وينسى هؤلاء الحقيقة المرة، أن كلاهما لم يترك وسيلة إلا دعّم بها الصهاينة. تشهد على ذلك الوقائع المتعلقة بالدعم العسكري بكل أصنافه، والإحصائيات المتعلقة بالدعم المالي والإعلامي والدبلوماسي غير المحدود من قبل ومن بعد! الجمهوريون في عهدهم والديمقراطيون في عهدهم لم يتركوا وسيلة إلا واستخدموها ضد الفلسطينيين ولم يخفوا ذلك.. والكل يعلم ذلك… ومع ذلك يأتي من يتساءل اليوم أيهما أفضل “الجمهوريون” أم “الديمقراطيون”؟ أيهما أرحم بنا “الجمهوريون” أم “الديمقراطيون”؟ أسئلة تذكّرنا بتلك التي كان يروّج لها أذناب الاستعمار في الجزائر أن الديغوليين قادة الجمهورية الخامسة أرحم على الثورة الجزائريين من قادة الجمهورية الرابعة وجنرالاتها “سالان” و”أوساريس” و”شال” وغيرهم، وأن المجرم “ديغول” هو من أعطى الجزائر استقلالها وكأنه لم يبد مليون ونصف مليون من الجزائريين؟ وكأنه لم يكن مسؤولا عن كافة جرائم الحرب التي ارتكبت في حق شعب ثار لأجل استعادة استقلاله وسيادته؟
العقل الغربي الاستعماري واحد! إن كان في تعامله مع آسيا أو إفريقيا أو أمريكا الجنوبية، بالأمس أو اليوم، جنرالات فرنسا أو جنرالات الكيان الصهيوني أو الجنرالات الأمريكان والبريطانيين، نفس المنطق ونفس المنهجية ونفس الأسلوب: عندما يكونوا على أعتاب الهزيمة ويضطرون إلى الاستسلام لإرادة الشعوب، يزعمون أنهم استعادوا فجأة إنسانيتهم وتحركّت ضمائرهم وها هم يتركون الشعوب تقرّر مصيرها ويغادرون أراضيها غير آسفين على ما ارتكبوا من جرائم إبادة، وكأنهم لم يقتلوا عشرات الآلاف ولم يحرقوا الأخضر واليابس ذات يوم،
هو ذا الذي سيحدث اليوم في فلسطين بغض النظر عن من هو الفائز في الانتخابات الأمريكية.
لن يصبح الديمقراطيون في عهد “هاريس” أكثر رحمة منهم في عهد “بايدن”، لأن “هاريس” لم تكن أبدا معارضة لبايدن، ولن يكون “ترامب” أقل قسوة منهما لأنه لن يغير جنرالات الحرب الصهاينة ولا الأمريكان كما لم يفعل ذلك الديغوليون بالجزائر، كل ما سيتبدل هي أساليب الإبادة.
وما نراه اليوم من تعزيز للترسانة الأمريكية في الشرق الأوسط بطائرات “ب 52” الإستراتيجية ومدمرات بحرية وطائرات حربية متطوّرة وبقوات إضافية لم يفصح عن طبيعتها، ودعم غير مشروط للقوات الصهيونية بصواريخ “ثاد” وقيام هذه الأخيرة بتعزيز مواقعها في رفح وفي شمال قطاع غزة ومحور نتساريم، ناهيك عن جنوب لبنان ليس سوى دليل على ما نقول.
كما أن ما نراه اليوم من ارتفاع لوتيره هجمات المقاومة تجاه العدو إن في غزة أو في جنوب لبنان أو من خلال جبهات الدعم والإسناد في اليمن والعراق، لتأكيد على ما نقول.
بما يعني أن الحرب اليوم هي في ذروتها بغض النظر عن من سيصل إلى البيت الأبيض، وأن جبهة العدو الداخلية إن في الكيان الصهيوني أو في الولايات المتحدة قد أصبحت مهتزة أكثر مما كانت عليه لعوامل داخلية وأخرى لها علاقة بضربات المقاومة، بل إن هناك بداية شعور لدى العدو بدنو أجل هزيمته وبعبثية ما يرتكبه من جرائم، والأهم من ذلك بحاجته إلي “ديغول” جديد يزعم منح الاستقلال للفلسطينيين، لا يهم هذه المرة إن ظهر في ثوب “هاريس” أو ثوب “ترامب” كلاهما سيضطر للاعتراف بالأمر الواقع وسيبحث عن أذناب يروّجون أنه هو من منح حقوق الشعب الفلسطيني، وليست تضحيات هذا الشعب ودماؤه هي من فعلت،
حتى واجب التضحية لاستعادة الحق يريدون سرقته منّا كما فعل ديغول وأذناب ديغول في الجزائر، ومازال بعضهم إلى يومنا هذا.