يبدو أن علينا فعلا مراجعة محتوى برامج العلوم السياسية والعلاقات الدولية مراجعة عميقة بعد معركة طوفان الأقصى. لم تعد النظريات الغربية بقادرة على تفسير السلوك الدولي في أكثر من مستوى، وفقدت أغلب القوانين الدولية مصداقيتها، فلا حقوق إنسان، ولا حق تقرير مصير، ولا شرعية دولية، ولا جنائية دولية، ولا محكمة عدل دولية، ولا مجلس أمن ولا أمم متحدة، ولا منظمات إقليمية ولا حتى نظام دولي، لا قديم ولا جديد، بل إن الدولة ذاتها كوحدة أساسية في النظام الدولي فقدت مكانتها وحَلَّت محلها كيانات غير الدولة ليس فقط من جهة الشعوب المقاوِمة إنما أيضا من جهة القوى الكبرى. لقد بات واضحا أنه لا أمريكا ولا دول الاتحاد الأوروبي باعتبارها نماذج للدولة الأمة المعاصرة، لم تعد كذلك، القوى الخفية واللُّوبيهات ما فوق الدولة بل والأفراد الذين يملكون الثروات الضخمة حلّوا بوضوح تام محل الدولة! لا الولايات المتحدة أصبحت تتصرف كدولة ولا بريطانيا ولا ألمانيا ولا غيرها باتت تتصرف كدول كما كانت في السابق على الأقل في الظاهر. لقد انكشف المستور اليوم ولم تعد حقيقة النظام الدولي خافية على أحد. لذلك لم تعد اليمن اليوم دولة فاشلة!!!
في التعريف الذي تُقدِّمه لنا العلاقات الدولية قبل الطوفان تم وضع 12 مؤشرا لِتصنيف دولة ما كونها فاشلة موزعة على 4 مجموعات:
ـ الأولى، مؤشرات الانسجام: وتندرج ضمنها الأجهزة الأمنية، النخب الفئوية، الجماعات الإثنية والمجتمعية.
ـ الثانية، المؤشرات الاقتصادية: ويندرج ضمنها، التدهور الاقتصادي، التنمية غير المتكافئة، هجرة الأدمغة والهجرة غير الشرعية.
ـ الثالثة، المؤشرات السياسية: وتندرج ضمنها، شرعية الدولة، الخدمة العمومية، حقوق الإنسان.
ـ الرابعة، المؤشرات الاجتماعية والعابرة للدولة ومن ضمنها: الضغط الديمغرافي، اللاجئون، التدخل الخارجي.
وفق هذه المؤشرات يتم تصنيف الدول من حيث درجة الفشل، وتأتي اليمن في المراتب الأولى بطبيعة الحال لا تسبقها في الفشل سوى جنوب السودان والصومال، والسودان، وأفريقيا الوسطى، وتشاد، وتسكنها جميعا شعوب مسلمة إذا استثنينا جنوب السودان!!
ويترتب عن فشل الدولة وفق هذه المؤشرات أنها تفقد السيطرة على أراضيها وعلى تقديم الخدمات العامة، وتفقد قدراتها العسكرية، والأهم من ذلك تعجز عن التفاعل مع بقية دول العالم.
فهل ينطبق ذلك على اليمن اليوم؟
إذا احتكمنا إلى المؤشرات السابقة، فإننا بالضرورة سنصل إلى أن اليمن دولة فاشلة!
أما وقد عمَّ طوفان الأقصى، فإن كل شيء قد تغير!
ـ اليمن اليوم دولة فاعلة في العلاقات الدولية رغم كل تلك المؤشرات!
ـ اليمن اليوم لا تسيطر فقط على أراضيها بل تهاجم أراضي ما تعتبره العلاقات الدولية التقليدية أقوى دولة في المنطقة!
ـ اليمن اليوم تتحكم في شريان الاقتصاد العالمي ويُحسَب لقراراتها ألف حساب…
ـ اليمن اليوم تَتودَّد لها القوى الكبرى وتَتَرجَّاها ألاَّ تستهدف بوارجها وناقلاتها البحرية…
ـ اليمن اليوم تُغيِّر مفهوم الفشل رأسا على عقب:
الدولة الفاشلة هي تلك التي لا تستطيع الدفاع عن إقليمها رغم امتلاكها الأسلحة الأكثر تطورا…
الدولة الفاشلة اليوم هي مَن لا إرادة ولا عزيمة لديها..
الدولة الفاشلة اليوم هي مَن لا تستطيع قول لا..
الدولة الفاشلة اليوم هي مَن لا تستطع نصرة المظلومين في غزة رغم كل الإمكانيات التي تملك..
الدولة الفاشلة هي مَن تقبل العيش في رفاه وهي خانعة ذليلة للآخرين…
الدولة الفاشلة هي مَن تحمي أراضيها قوى خارجية ومن دونها لا تستطيع البقاء والكيان الصهيوني نموذج ذلك…
الدولة الفاشلة ليست مَن لا طعام ولا شراب لها وفق المؤشرات آنفة الذكر إنما مَن لا كرامة ولا عزة لها… وكم من دولة ضحَّت بكرامتها ونخوتها مقابل تصنيف مؤشراتها نحو الأعلى…
وقس على ذلك ما تريد…
لهذا كله، اليمن اليوم ليست دولة فاشلة بمقاييس ما بعد الطوفان، وكذلك الكثير من الدول، علينا القيام بمراجعات عميقة لمحتوى كافة برامج العلوم السياسية والعلاقات الدولية! فالمعركة أيضا هي معركة وعي، وأكبر انتصار لطوفان الأقصى هو ما يحدث اليوم من تغيير على جبهة الصراع الفكري…