من وعد بلفور إلى وعد ترامب! / حسين لقرع

25 أغسطس, 2024 - 09:46
حسين لقرع/كاتب جزائري

أحدث الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، صدمة كبيرة لدى “حلفائه” العرب، حينما صرّح قبل أيام قليلة قائلا: “مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة، وطالما فكّرتُ: كيف يمكن توسيعُها؟”.
يذكّرنا هذا التصريح الخطير بما يُسمّى “وعد بلفور”، نسبةً إلى وزير خارجية بريطانيا الذي أصدر في 2 نوفمبر 1917، وعدا بمنح فلسطين ليهود العالم ليُنشئوا فيها “وطنًا قوميًّا” لهم على حساب الفلسطينيين، وساعدتهم بريطانيا في ذلك من خلال تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين وتسليحهم وتدريبهم إلى أن أعلنوا قيام “دولتهم” في 15 ماي 1948. وإذا فاز ترامب برئاسيات 5 نوفمبر القادم وعاد إلى البيت الأبيض، فسيعمل على تحقيق “وعده” للصهاينة بتوسيع مساحة “دولتهم” من خلال ابتلاع ما بقي من الضفة الغربية والقدس وغزّة وتهجير سكانها إلى الأردن ومصر وحسم الصراع لصالح الاحتلال، لينطلق بعدها، آليًّا، تنفيذ مخطط “إسرائيل الكبرى” ليشمل دولا عربية أخرى، وهي حسب الأدبيات الصهيونية: مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق والكويت والسعودية، كلّها أو أجزاء متفاوتة منها.
وعدُ بلفور تسبّب في اندلاع صراع مرير بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الصهيوني استمرّ 76 سنة كاملة ولم ينته إلى اليوم، بل ازداد ضراوة كما نرى في حرب غزة الحالية وفي الضفة الغربية، أمّا وعدُ ترامب فيُنتظر أن يفضي إلى توسُّع الصراع ليشمل المنطقة كلّها ويدوم عقودا طويلة أخرى؛ فمصر والأردن أظهرتا مرارا رفضهما القاطع تهجير فلسطينيي غزة والضفة الغربية إليهما، ولن تقبلا أن يفرض عليهما ترامب الأمر الواقع ويساعد الاحتلال في مخطط تهجير الفلسطينيين إليهما، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية الدول المستهدَفة بمخطّط “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات، والتي ينتظر أن تعدِّل مواقفها من الصراع للحفاظ على وجودها الذي بات مهدَّدا بالرغم من كلّ ما أبدته من ولاء للولايات المتحدة، ومبالغة في التساوق مع مخططاتها، ومعاداة صريحة أو ضمنية للمقاومة الفلسطينية.
نعرف أنّ ترامب قد لا ينجح في انتخابات الرئاسة يوم 5 نوفمبر، ولعلّ دول “الاعتدال” العربي كما تسمّي نفسها، باتت تتمنى فوز كامالا هاريس بعد سماعها هذا التصريح الصَّادم، لكنّنا في كلّ الحالات، نأمل أن يوقظها تصريحه وتُدرك تماما حكمة الرئيس المصري حسني مبارك الذي قال “المتكسي بأمريكا عريان”، وأن تُراجع سياساتها تجاه الولايات المتحدة والاحتلال الصهيوني والمقاومة الفلسطينية جذريًّا.. لقد آلمنا كثيرا في السنوات الأخيرة أن تتماهى العديدُ من الدول العربية مع سياسة أمريكا لدمج الاحتلال في المنطقة، فتطبِّع علاقاتها معه وترتمي في أحضانه وتعادي المقاومة الفلسطينية وتتآمر عليها وتتمنّى هزيمتها وسحقَها عسكريًّا، وهي تعتقد بذلك أنّها تحمي نفسها وتحقّق “السلام” مع الاحتلال وأنّه سيكتفي بفلسطين ولن يفكّر بالتوسُّع على حسابها، وحتى عندما رفع الوزير الصهيوني المتطرّف سموتريتش خارطة لـ”إسرائيل” تظهر فيها بعض البلدان العربية، لم يكن ذلك كافيا لتشعر هذه الدول بالخطر وتغيّر سياستها وتعود إلى دعم المقاومة.
اليوم، نأمل أن تشعر البلدان المحيطة بفلسطين بخطإ سياساتها وإصرارها على “السلام” الوهمي مع الاحتلال ومعاداة المقاومة الفلسطينية والاستعداد للتحالف مع الاحتلال ضدّ محورها في المنطقة، فهاهو ترامب يكافئها على ذلك كلّه بتصريحه المدوّي الذي يتحدّث فيه عن توسيع مساحة “إسرائيل”، ولا نعتقد أنّه يقصد غزّة والضفة وحدهما.
ينبغي أن تدرك الدولُ المطبّعة، وكذا السائرة في طريق التطبيع لاحقًا، أنّ هذا المسار لن يحميها، ومعاداة المقاومة والكيد لها ومحاصرتها لن يرفع قدرها لدى العدوّ، بل يحميها فقط دعمُ المقاومة بالسلاح النوعي وتهريبه إليها بشتى الوسائل لكسر شوكة الاحتلال، فهي تحاربه بالنيابة عنها ولم يعُد لها خيارٌ سوى دعمها بكلّ الوسائل؛ لأنّ خسارة المقاومة المعركة وتصفية القضية الفلسطينية بالقوّة يعني أنّ الدور آتٍ على دول الجوار وأنّ الاحتلال سيشرع في تنفيذ مخطط “إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات” على حسابها، من دون أن يكترث بأيّ معاهدة تطبيع أو اتفاق “سلام” وقّعه معها، أو أيّ حدود وسيادة وصداقة وتحالفات زائفة… وستجني الواحدة تلو الأخرى شرَّ خيانتها القضيةَ الفلسطينية وثقتها في قوم معروف عنهم تاريخيًّا أنّه لا عهود لهم ولا مواثيق، وأنهم كانوا يغدرون حتى بأنبيائهم ويقتلونهم، وحينئذ ستتذكّر الحكمة الخالدة “ألَا إنّي أكِلتُ يوم أكِل الثورُ الأبيض”.