شاءت الأقدار أن يقوم أبناء غزة وحدهم، دون العالم بأسره، ليؤدّوا صلاة فجر، بين النار والنار، في المكان الأخطر في العالم، والزمان الأخطر في التاريخ. وشاءت الأقدار أن تنام أمة سورة الفجر، وركن الصلاة وفريضة الجهاد، بملياري نسمة، نوما عميقا، لا أحلام فيه، ولا صحوة بعده. وشاءت الأقدار أن يتفرعن الصهاينة، للشهر الحادي عشر على التوالي، ويواصلوا إبادة شعب فلسطيني، لم يكن أعزل فقط، وإنما عزلوه بالنار وبالصمت الرهيب.
ما حدث في مدرسة “التابعين” في غزة العزة، في فجر يوم السبت، هو طعنٌ آخر للإنسانية، وقبرٌ للأخلاق، وأي حديث بعد الآن عن المُثل والقيم، هو تغريدة مواقع، تتبخّر قبل أن يقرأها متابع.
في مجزرة دير ياسين وفي صبرا وشتيلا وفي مذبحة قانا، كان من بين الإسرائيليين يظهر بين الحين والآخر “رجل رشيد”، ينهى عن المنكر ليس لأجل الأمر بالمعروف، وإنما خوفا على مستقبل الكيان الصهيوني، فهم يقولون دائما إن كل دم فلسطيني يُهدر، سيسقي نبتة الانتقام ولو بعد حين، ولكنّهم هذه المرة متفقون على ألا يكون فيهم، ولو نصف رجل رشيد، على قناعة منهم، بأن الحرب الحالية وجودية، وعلى قناعة منهم، بأنه لا رجل رشيد في أمة الرشد.
يقول محللون صهاينة إن أشد ما حيّرهم وفاجأهم في حربهم على غزة، هو صمت عرب الشرق الأوسط والخليج العربي، حتى إنّهم مع مرور أشهر الحرب، صاروا على يقين من أنهم يحاربون حركة حماس لأجلهم، أكثر من صالح الصهاينة، وهو ما جعلهم يتعدّون كل الخطوط الحُمر، فقتلوا المرضى في المستشفيات وأبادوا طالبي الأكل والماء في الملاجئ وقصفوا القبور ودور العجزة ومدارس الحضانة، وانتهوا بقتل رجال وأطفال اصطفوا لأداء صلاة الفجر، فكبّروا، وبسملوا، وحمدوا الله، وركعوا، وسجدوا، ثم ارتقوا ليسلّموا هناك، في جنة النعيم، في عالم لا صهيونية فيه ولا عُرب الخذلان والخنوع والخزي والخيانة والخبث.
سيكون بعد الذي حدث على مدار قرابة سنة من العبث، أن نسأل: “وين الملايين والدم العربي وين؟” لأن مجرد التفكير في من لا فكر ولا ضمير له، هو طعنٌ آخر للفلسطينيين الذين تيقنوا من أن الذين انتظروهم، لم يُطبّعوا فقط مع الإسرائيليين، بل أخذوا طباعهم وصاحوا في وجه هنية والسنوار: “اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون”.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “مَن صَلَّى الصُّبْحَ فَهو في ذِمَّةِ اللهِ”، ويقول أيضا: “مَن صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ”، ويقول عليه الصلاة والسلام: “لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ”.
وقد سنّ رسول الإسلام مقولة “الصلاة خيرٌ من النوم” فكانت صلاة مدرسة “التابعين”، خيرا مليون مرة من نوم النائمين، حتى ولو تظاهروا بالصلاة وقلوبهم شتّى، فجاءت صلاة أبناء غزة حيث ارتقوا، خيرا من نوم ملياري مسلم.