رأيت تدوينات يتهكم أصحابها على من يقول إن فلسطين أرض محتلة، ثم يرفض القول بأن الفتوحات الإسلامية كانت احتلالا أيضا..
يبدو أنه نقد يمكن فهمه وتفهمه؛ لكن يحسن أن لا يفوتنا ما به من علات جوهرية..
لقد جاءت حروب الفتح الإسلامي في زمن كانت كل دول العالم وإمبراطورياته تؤمن بما يسمى "حق الفتح"، أي حق كل دولة في ضم الأراضي التي تستطيع إخضاعها بالقوة.
ولذلك كانت جميع إمبراطوريات الأرض ذات حدود متحركة باستمرار، اتساعا أو تقلصا، حسب حركة أقدام جندها أو تراجعها للوراء..
وبالتالي كان من شأن أي دولة يتوقف جنودها عن الغزو والقتال أن تزول وتختفي حتما أو أن تتحول إلى كيان ذي سيادة صورية بسبب خضوعها لإرادة المقتدرين..
لكن البشرية كلها اكتشفت بعد قرون عديدة جسامة الأثمان التي دفعتها وتدفعها بسبب القول بهذا "الحق" (أي حق الفتح)؛ فقامت بتعطيله وإلغائه وتجريمه، وأبدعت لأجل ذلك قوانين دولية جديدة قائمة على مبادئ وحقوق من أهمها الاستقلال والسيادة وحق قيام الدولة الوطنية والقومية الخاصة بكل شعب وبكل أمة على أرضها..
وقد أدى تعطيل أو رفض "حق الفتح" إلى رفض "الدولة الدينية" أيضا؛ لأنها دولة مناهضة لحق المواطنة؛ فالوطن لأهله جميعا بغض النظر عن عقائدهم وقناعاتهم الدينية..
ولم يخرج عن هذه المبادئ الدولية الفريدة والجديدة إلا العصابات الصهيونية التي أرادت (بدعم ومباركة القوى الاستعمارية الغربية) أن تقيم دولة خاصة باليهود في فلسطين على حساب شعبها العربي الذي خيروه بين العيش تحت سلطتهم العنصرية، أو الرحيل عن أرضه وإخلائها للمستوطنين المتناسلين من مختلف أوطانهم الأصلية!!
أي أنهم أرادوا أن لا يبقى من "حق الفتح" القديم سوى حق الصهاينة في "فتح فلسطين".. وهذا ما عبر عنه الإرهابي بن غوريون بمنتهى الدقة والوقاحة حين سُئل؛ ما هي حدود دولتك؟؟!! فأجاب: "حدود دولتي حيث توجد دبابتي"..
لا نحتاج بعد ذلك للحديث عن كثير الفروق بين الفتح الإسلامي والاحتلال الصهيوني، وكيف بنى الفاتحون البلدان التي فتحوها وأحسنوا لأهلها وكانوا رحمة بشعوبها وعدلا في حكمهم، وكيف خرب الصهاينة ودموروا وسجنوا وشردوا وغدروا وأهانوا وأذلوا... ووووو...
تلك جرائم لا ينتهي عدها ولا يمكن حصرها...
فهل فهمتم الفرق بين الفتح والاحتلال؟؟!