عندما يشمت المرجفون بهنية! /حسين لقرع

8 أغسطس, 2024 - 19:30

 لم تفاجئنا قطّ المستشرقة ومحللة الشؤون العربية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، سمدار بيري، حينما نقلت عن مصادر أمنية صهيونية قولها، إنّ دولا عربية “معتدلة” لم تذرف دمعة واحدة على إسماعيل هنيّة إثر اغتياله في إيران يوم 31 جويلية الماضي؛ فما ذكرته هذه المصادر تحصيل حاصل، بل كنّا سنفاجئ لو أنّ مسؤولا من هذه الدول “المعتدلة” ذرف دمعة واحدة على هنية، لأنّ هذا الزعيم الفلسطيني الفذّ والقائد والسياسي المحنّك والمجاهد العظيم يبكيه الفلسطينيون وشرفاء الأمة العربية المسلمة وأحرار العالم فقط، ولا يحتاج إلى دموع تماسيح يذرفها الخونة والأنذال والمتصهينون الذين يعادون المقاومة، ويكيدون لها، ويتخندقون في صفوف الاحتلال بذريعة “الواقعية” و”الاعتدال” المزعوم.
لكنّ ما حزّ في نفوسنا هو هذه الحملة الحاقدة التي شنّت على الشهيد هنية، وتجاوزت كل الخطوط الحمر؛ فبعض المرجفين لم يخف فرحته الغامرة باستشهاده بذريعة أنّه “ارتمى في أحضان إيران”، وهي تهمة سمعناها كثيرا في السنوات الأخيرة وحرص الذباب الإلكتروني العفن لدول التطبيع والانبطاح على ترديدها باستمرار حتى تخلد في أذهان الناس، إذ كثيرا ما اتّهمت “حماس” بالولاء لإيران وبأنّها مجرّد ذراع لها، وكأنّ الدول العربية والإسلامية قد عرضت عليها أطنانا من الأسلحة المتنوّعة للدفاع عن غزة وفلسطين، ورفضتها وآثرت عليها الأسلحة الإيرانية!
هي حملة مغرضة تشنّ على “حماس” و”الجهاد” أيضا منذ بضع سنين، وكان ردّ الحركتين واضحا في كل مرّة: “إنّهما لن ترفضا مساعدات عسكرية ومالية من أيّ جهة كانت للدفاع عن الشعب الفلسطيني”، لكنّ الذي حصل أنّ أغلب الدول العربية والإسلامية اكتفت بالمساندة اللفظية، أو بالمال في أفضل الأحوال، وبعضها تصهين وأصبح يعاديها، وإيران فقط هي التي وفّرت لها الدعم العسكري ولا تزال، فهل ترفضه وتترك غزة لقمة سائغة للاحتلال؟
طيلة سبع سنوات ونصف سنة من عمر الثورة الجزائرية، كانت دول عديدة تدعمها بالسّلاح والمال، ولم يقتصر الأمر على دول عربية وإسلامية، بل حتى الاتّحاد السوفياتي ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا ودول المعسكر الاشتراكي سابقا، والصين والهند أيضا.. فهل أثار أحد هذه المسألة وقال إنه “لا يجوز” للثوّار الجزائريين المسلمين تلقّي السلاح والمال من دول شيوعية ملحدة أو بوذية أو وثنية مشركة؟

 وهل عاداهم بعض العرب والمسلمين واتّهمهم بـ”الارتماء في أحضان” الملاحدة والبوذيين وتشفّى في قادتهم الشهداء؟ فكيف يعاب على “حماس” أنّها تقبل الأسلحة من إيران لتكسر بها شوكة الاحتلال كما يحدث منذ 10 أشهر كاملة، وكما حدث في الحروب السابقة أيضا، وتعيّر بأنها “ارتمت في أحضانها” والحال أنّها ليست دولة مسيحية أو بوذية أو وثنية، بل دولة مسلمة تختلف عنّا فقط في المذهب، وهذا شأنها وحسابها على الله؟!
إذا كان هناك من هو جدير بالتعيير، فهي البلدان العربية المطبّعة المنبطحة التي ارتمت في أحضان العدوّ الصهيوني الفاشي العنصري وأقامت معه علاقات شاملة، واتفاقات نسبتها زورا إلى سيّدنا إبراهيم الخليل لتضفي عليها طابعا دينيا كاذبا ومضلّلا، وهي تستعدّ لإنشاء حلف عسكري مع هذا الاحتلال الذي يبيد سكان غزة ويجوّعهم ويهدم بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم منذ 10 أشهر كاملة، وتعرض إرسال قوّاتها إلى غزة لإدارتها بعد الحرب حتى لا تعود “حماس” لحكمها… هذا هو العار والخزي الحقيقي وليس الاستعانة بالأسلحة الإيرانية وخبراتها العسكرية لصدّ العدو.
ألم يقرأ هؤلاء المتصهينون الذين يشمتون في استشهاد هنية الآن، القرآن الكريم الذي يحرّم موالاة اليهود والنصارى المحاربين الذين يخرجون المسلمين من ديارهم؟ ألم يقرأوا الآيات التي تحرّم الإلقاء إليهم بالمودة، والتي تصف من يتولاهم بأنّه منهم؟
لا شكّ أنّهم يقرأونها، لكنّهم لا يقفون عندها ويفضّلون فقط الخوض في النقاشات البيزنطية التي تغذّي النزاعات المذهبية التي لا طائل منها والاصطفافات الطائفية التي تمزّق صفوف الأمة الواحدة شر ممزّق وتخدم أجندة الاحتلال والغرب، وهذا حتّى لا يضطرّوا إلى مناقشة مسألة مدى حقارة أنظمتهم العميلة المتصهينة التي خانت فلسطين وسلّمت القدس وأدارت ظهرها لقبلة المسلمين الأولى من دون أدنى خجل أو حياء.
هنية عاش مجاهدا كبيرا وقائدا عظيما وقدّم الكثير لفلسطين ولمقاومتها الباسلة ومات شهيدا كما تمنّى، ولن يضرّه أن يشمت به المرجفون والمرضى نفسيا والأعراب المتصهينون، عليهم دائرة السّوء، ولن يضر صناديد المقاومة أيضا من خالفهم أو خذلهم، وسيظلون لعدوّهم قاهرين حتى يأتي الله بأمره.