فخامة الرئيس الموقر
أسفرت نتائج الانتخابات الرئاسية التي أعلنتها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات عن فوزكم بمأمورية رئاسية جديدة تنضاف لمأموريتكم المنصرمة، وبذلك يكون الشعب الموريتاني قد منحكم ثقته لمدة عقد من الزمن ، وهي فترة قصيرة جدا في عمر الدول ، لكنها طويلة جدا في عمر الإنسان، وطويلة جدا وتكفي لكثير من الإنجاز والتطوير بقياس الأساليب والآليات الحديثة لبناء وتعمير الدول وتطويرها، إن كانت هناك إرادة جادة وصادقة للبناء والتعمير.
ومن المؤكد فخامة الرئيس أنكم أكثر إطلاعا مني على التجربتين الرائدتين في هذا المجال ، التجربة الماليزية والتجربة الرواندية ، وبالتالي لن أستفيض في الحديث عن التجربتين المثاليتين الماثلتين للعيان، بقدرما سأتوقف بداية لأزف لكم أصدق آيات التهاني والتبريكات سائلا المولى جل جلاله أن يوفقكم في مهامكم الجديدة ويلهمكم الرؤية المستنيرة ويحيطكم بالبطانة الصالحة الصادقة المؤمنة بموريتانيا الحاضر والمستقبل ، موريتانيا المتصالحة مع ذاتها وشعبها وماضيها، الواثقة بحاضرها والمتوثبة لمستقبلها المشرق.
فخامة الرئيس
بعد التهنئة المستحقة وقد تكون أولى تهنئة أزفها لمسؤول يتولى الشأن العام في بلدي ، اسمحوا لي أن أشير لبعض المنغصات التي قد تكدر صفو تهنئتي لكم ، تماما كما من شأنها أن تكدر صفو مأموريتكم الحاسمة ، فهذه المأمورية هي التي ستكتب سفر خلودكم في سجل التاريخ الموريتاني ، وهي التي ستحدث الأجيال القادمة عنكم وعن صينعكم سلبا أو إيجابا ، ففضلا عن كونها مأموريتكم الأخيرة في حكم البلاد – والتي تمثل فرصة ذهبية لكم لتصحيح اختلالات المأمورية السابقة وتكميل نواقصها ، – تلكم النواقص التي تحليتم بالأمانة والشجاعة واعترفتم بها للشعب الموريتاني –
فضلا عن كل ذلك تأتي هذه المأمورية في سياق زماني حساس تعيش فيه بلادنا في وضع إقليمي مضطرب تطبعه تحديات أمنية وسياسية لم تتضح بعد ملامحها المستقبلية ، أما التحديات الداخلية فهي أكثر خطورة وأدعى لليقظة والانتباه والعمل الجاد من أجل العبور بموريتانيا الى الضفة الأخرى “لنهر الريبكون” بدون مطبات أو هزات قد تؤثر لا قدر الله على كيان هذا لمنكب البرزخي المنكوب ببعض نخبه المتآمرة عليه
فخامة الرئيس
لا شك أن خرجاتكم الإعلامية خلال حملتكم الانتخابية تشي بوعيكم العميق واستشعاركم الدقيق لكل هذه التوجسات ، وتشي أيضا بتذمركم من الأداء التنموي خلال مأموريتكم المنصرمة، وجميل جدا أنكم تعهدتم للشعب الموريتاني عبر وثيقتكم الانتخابية بوضع الحجر الأهم لكل تنمية وكل استقرار وكل تطوير ألا وهو حجر محاربة الفساد
فخامة الرئيس
موريتانيا حبلى بالعقول الملهمة ، ولن تتأتى أي تنمية ما لم تستخدم الخبرات الوطنية في مجالاتها وتخصصاتها ، بدون أي اعتبار لآليات التكليف والتعيين التي أصبحت سائدة منذ فترة طويلة واستفحلت خلال العشرية السابقة وتواصلت خلال مأموريتكم المنصرمة للأسف الشديد.
فخامة الرئيس
يجب أن تكون هناك قطيعة أبدية مع منح مناصب الدولة الموريتانية للأشخاص باعتبار ولائهم السياسي والإجتماعي ، لقد دمرت هذه الآلية الإدارة الوطنية وجعلت مسؤولين -غير مسؤولين – يتخذون قرارات غبية في مواضيع حساسة بالنسبة للدولة الموريتانية تتعلق بأمنها وسيادتها وتنميتها حاضرا ومستقبلا ، كما أن تدوير المفسدين وترسيمهم في المناصب الحساسة في الدولة إرضاء لزيد أو عمر ، أمر لا يشي بالجدية في البناء والتعمير.
فخامة الرئيس
قبل حوالي سنتين خرجتم علينا بخطاب يمكنني شخصيا أن أطلق عليه الخطاب التاريخي وهو خطابكم أمام خريجي المدرسة الوطنية للإدارة ، وتوقعنا حينها أن يكون ذلك الخطاب مقدمة لمسح الطاولة بالمفسدين والعاجزين عن خدمة المرفق العمومي ، لكن لم يحصل أي شيئ مما توقع الشعب الموريتاني حينها للأسف الشديد ، وبفوزكم اليوم في مأمورية جديدة نرفع سقف التوقعات والتطلعات ونطالبكم بتطهير الإدارة من المفسدين خاصة أنكم تعهدتم بذلك للشعب الموريتاني ، وسنكون سعداء حين تظهر حكومتكم الجديدة مشكلة من أبناء وبنات البلاد لا ينظم خيطها سوى الكفاءة والخبرة والتفاني في خدمة موريتانيا.
فخامة الرئيس
بلادنا مقدمة على طفرة اقتصادية تتحدث عنها كل وسائل الاعلام الدولية رغم تجاهلنا لها ، وهذا يحتم علينا الجاهزية القصوى لاستيعاب التجارب الملهمة من حولنا للقفز ببلادنا من مربع “البلاد الغنية والشعب الفقير” لمربع الدول المتطورة وهو هدف سهل المنال والتحقيق بالنظر لحجم الموارد وعدد سكان البلاد.
فخامة الرئيس
أخيرا أرجو أن يتسع صدركم لملاحظة أخيرة وهي أن بعدكم الشخصي الروحي والاجتماعي عامل إثراء لتجربتكم وعطائكم لموريتانيا لكن تعاطيكم مع الشأن الوطني يجب أن يكون خارج كل الأطر الاجتماعية والثقافية وحتى السياسية ، فأنتم رئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية، جدد الشعب الموريتاني لكم ثقته من جديد ويجب أن تظل مصالح موريتانيا العليا مهما كانت فوق كل الاعتبارات ، مهما حاول البعض التزلف والتقرب لكم بأبعادكم الأخرى المقدرة والموقرة ، لكنها يجب أن لا تحول بينكم مع اتخاذ القرارات الصعبة والحاسمة من أجل موريتانيا
وفقكم الله ورعاكم
حفظ الله البلاد والعباد
المصدر : جريدة الصدى الورقية الإسبوعية الصادرة هذا الأسبوع العدد353 /03/07/2024