رحل عن دنيانا الفانية البروفسور الأستاذ / الشيخ سيد الطاهر دوكرى عن عمر يناهز 97 عاما ، وهو أحد كبار الشخصيات الاجتماعية و الدينية في السنغال ، حيث إنه كان أول منحدر من الأوساط الدينية التقليدية يتم اختياره من الرئيس السنغالي الأسبق ليوبولد سنغور ليشغل منصب وزير مكلف بالشؤون الدينية في الحكومة السنغالية في ستينيات القرن الماضي.
والشيخ سيد الطاهر دوكرى هو نجل أسرة علمية و دينية مشهورة و ذائعة الصيت ، حيث كان والده الشيخ ابوبكر لنبو مقدما من مقدمي شيخنا أحمده حماه الله الشريف ، و تلقي تعليمه في محيطه العائلي حيث حفظ القرآن الكريم مبكّرا و متون الفقه و دواوين الشعراء ، كما تضلع في علوم اللغة العربية من نحو و صرف و بلاغة و بيان ..الخ ، علاوة على دراسته في المدرسة النظامية باللغة الفرنسية التي تضلّع في أدبها و ثقافتها العصرية تضلعا وضعه في مصاف المفكرين و المثقفين في بلاده.
وبحكم الخلفية الدينية التي أشرنا إليها فإن الشيخ سيد الطاهر يعتبر أحد رموز الطريقة الحموية البارزين في السنغال ، و كان يتمتع بعلاقات شخصية قوية مع أغلب الشخصيات الدينية الفاعلة و المؤثرة في السنغال التي عاصرها من أمثال الشيخ إبراهيم نياس ، و الشيخ عبد العزيز سي ، و غيرهما كثير !
وعلاوة على دوره السياسي في الحكومة الذي أشرنا إليه في عهد الرئيس سنغور ، إلا أن الشيخ سيد الطاهر دوكرى برع في تدريس العلوم العربية و الإسلامية ، و كذلك في مجال التأليف و النشر مبكرا ، حيث رفد المكتبات بمؤلفات قيمة ، من بينها :
الدعوة الحموية المنشور في دكار المنشور عام 1976 في دكار
قواعد الطريقة الأحمدية التيجانية .
-وحي العقيدة في ساحة الشريعة و الحقيقة.
وله ديوان أدبي في الرد و الدفاع عن الطريقة التيجانية الحموية .
-ديوان شعري في مختلف أغراض الشعر ( المديح – النسيب – الغزل..).
إرشاد الباحثين إلى معرفة الوارثين ( و قد أهداني نسخة منه ).
وللراحل مناظرات و مطارحات جرت بينه وبعض علماء الحرمين الشريفين وأخرى مع بعض الأساتذة في الولايات المتحدة الأمريكية ومنهم القس أنيس شوروش الذي أفحمه برد مزلزل سماه ” الضربة القاضية”!.. كما جرت معه مكاتبات أخرى بينه وعميد الزاوية التيجانية في وقته العلامة الجليل والمقدم الكبير إدريس العراقي.
وقدّم البروفسور الشيخ سيد الطاهر دوكّرى عددا كبيرا من المحاضرات التي صرّح فيها عن محض الحقيقة، فبيّن الغوامض، ورفع الإشكال، وحقق المناط، وأصّل مناهج التحقيق في قواعد التشريع.وأغلب هذه المحاضرات موثقة و مكتوبة إلا انها لم تجمع بعد في كتاب مستقل.
ومع أنني تعرفت على الشيخ سيد الطاهر من خلال كتبه و مؤلفاته التي كان الوالد المقدم و الفقيه المفتي إدوم ولد نافع يحتفظ بها لديه في مكتبته الشخصية ، و كان يحدّثنا عن صداقته و علاقاته و صلاته به ، و لقاءاتهما السنوية في مدينة انيورو على هامش زيارة الزاوية الحموية و رمزها الخليفة الشيخ محمدو بن شيخنا أحمده حماه الله أطال الله بقاه ، إلا أنني – بفضل الله تعالى – التقيته بعد ذلك بسنوات طويلة لقاء مباشرا ضمن فعاليات الندوة الدولية عن الطريقة الحموية التيجانية و دورها السلمي في نشر الإسلام و الثقافة العربية و التي التأمت أعمالها في فندق الترانغا بالعاصمة دكار خلال الفترة 29 فبراير 1 مارس 2020 م ، و كانت محاضرته هي المحاضرة الافتتاحية و تلتها محاضرتي مباشرة ، و كل ذلك موثق و منشور في كتاب الندوة .
كما حرص الشيخ سيد الطاهر دوكّرى على لقاء منفرد في منزله خص به الوفد الموريتاني المشارك في الندوة ، حيث رحب بنا أجمل ترحيب ، و ضم الوفد كاتب المقال و الشيخ ولد صالح الأمين العام لهيئة علماء موريتانيا
و د. محمد الأمين ولد شيخنا مدير التوجيه الإسلامي بالوزارة ، و الباحث و الأديب و الشاعر باب ولد شيرف ولد الديه . كما حضر اللقاء السيد أحمدو صو رئيس الندوة.
و في نهاية اللقاء أهدانا بعض كتبه و تجول بنا في مكتبته العامرة التي ضمت صنوفا من الكتب و المخطوطات النادرة.
لقد تميّزالعلامة الشيخ سيد الطاهر دوكّرى بالموسوعية و التفنن في مختلف العلوم العربية و الإسلامية ، و ظل متقد الذكاء و ثاقب الذهن ، و كانت زيارته وهو طفل صغير مع والده المقدّم لشيخنا حماه الله في انيورو محفورة في ذاكرته و يعتبر ما وصل إليه من نبوغ ببركة دعاء شيخنا له بالتوفيق و السداد و طول العمر..رحمه الله تعالى و أدخله فسيح الجنان ..و العزاء ليس فقط لأسرته في مالي كوندا و الزاوية الحموية في دكار و نيورو ، بل تعزي فيه الأمة الإسلامية كلها فقد كان أحد علماءها الرواد ممن تركوا بصمة و آثارا في سجل الخالدين.