بعد قتل آلاف الأطفال الأبرياء بإلقاء آلاف الأطنان من المتفجرات على رؤوسهم وردمهم أحياء تحت الأنقاض، تنكشف اليوم حقيقة أخرى تُبيِّن مدى بشاعة هذا الصهيوني الغاصب، ومدى هزيمته الفعلية في الميدان، عنوان هذه الوسيلة هو “التجويع”… التجويع مع سبق الإصرار والترصد… ومع هذه الوسيلة الخبيثة يسقط مُبَرِّر قتل الأطفال وردمهم مع ذويهم أحياء بحجة أن بينهم مقاومين شرفاء.. معها يسقط أيضا مبرر أن ضريبة الحرب يتحملها أيضا المدنيون.. كما يسقط مبرر أنَّ تحت المنازل، حيث يعيش الأطفال وأمهاتهم، توجد أنفاق.. وغيرها من المبررات الواهية…
إذ عندما يتم منع دخول الحليب إلى غزة من المصدر الصهيوني.. ويتم منع دخول الدواء إلى المرضى من المصدر، ويتم منع دخول الغداء من المصدر.. ليموت الأطفال جوعا قبل الكبار.. تسقط نهائيا جميع مبررات قتل الأطفال والرضع والخُدَّج وغيرهم من المُستَضعَفين قبلهم…
لقد بَثَّت شاشات التلفزيون بالأمس وعلى المباشر رضيعا يموت من الجوع… يلفظ أنفاسه الأخيرة من الجوع… نعم رأينا على المباشر كيف يموت الأطفال من الجوع.. وكيف يبكيهم الآباء وتبكيهم الأمهات قليلو الحيلة! يا للهول! هل بقي من شك في أن هذا الكيان هو الأكثر إجراما ودموية في تاريخنا المعاصر؟ هل بقي من شك أنَّ مَن يدعم هذا الكيان أو يتعامل معه هو مثله أو أسوأ منه؟ هل بقي من مُبرِّر للمُطبِّعين معه من العرب والمسلمين وغيرهم من الأمم العادلة لِيترددوا لحظة في نبذ هذا الكيان؟
وحتى لا ننسى، لقد فعلها الأمريكان قبل اليوم في حصارهم للعراق ومنعوا دخول حليب الأطفال لهذا البلد قبل الغزو بحجة أن المخابر العراقية تستخدم الحليب في التجارب الكيماوية!!! ومات جراء ذلك قرابة المليون طفل نتيجة سوء التغذية طيلة مدة الحصار التي دامت أكثر من 13سنة (1990-2003)… وكأن السيناريو الأمريكي يتكرر اليوم في غزة بِبَشاعة أكبر!! بحجة الاستخدام المزدوج للمواد الغذائية والطبية والوقود… الخ، لا شيء ينبغي أن يدخل للقطاع، ولِيَمت من بقي حيا من السكان ناهيك عن الأطفال والشيوخ والمرضى… هي ذي الوسيلة الجبانة الوحيدة المُتَبقية لدى عصابات المرتزقة التي تُحاصر غزة اليوم، بعد أن فشلت فشلا ذريعا في النيل عسكريا من شوكة المقاومة الباسلة التي مازالت تخرج من تحت الأرض ومن فوق الأرض لِتُكبِّد الظالم المحتل خسائر لم يسبق أن عرفها منذ أن وطئت أقدامه أرض فلسطين الطاهرة..
وهذا هو الفرق بين الأمس واليوم.. لم يكن الأمريكان عند تجويع أطفال العراق في مرمى بنادق العراقيين.. لم يكونوا قد قرروا غزو العراق بعد، أما الصهاينة فهم اليوم على مسافة الصفر من مجاهدي القسام وسرايا القدس وبقية الفصائل المكافحة.. بإمكانهم في اللحظة، وعلى المباشر، الانتصار لأطفالهم الأبرياء، وفي اللحظة وعلى المباشر ترك الغُزاة يَدفعون الثمن… والكُل يعلم أن خسائر العدو الصهيوني باتت اليوم كبيرة، وإنْ تَكتَّمت وسائل الإعلام الموالية له على ذكرها، وإن امتَنَعت عن إبراز حجمها المتزايد يوما بعد يوم وبوتيرة متصاعدة، وكأن المقاومة لم تُمَس بأذى.. وهذا الذي يَصنع الفارق! وسيصنعه في المستقبل..
صحيح أن أطفالنا يموتون جوعا، وأن نساءنا وأبناءنا يبيتون في العراء ويتحملون الجوع والعطش، إلا أن الصحيح أيضا أن إرادة العدو الصهيوني كُسِرت وعزيمته خارت، ولم يبق يراهن إلا على سلاح الجبناء: التجويع!
ولن يفلح في آخر المطاف؟ ألم يفعلها الأمريكي في العراق ثم فر هاربا؟ ألم يفعلها الفرنسي قبله في الجزائر وبعدها اضطر إلى الاستسلام لإرادة الشعب؟ ألم يفعلها الاستعمار في أي مكان حل فيه منذ القرن 18؟ القتل، الإبادة، الاعتقال، التشريد، التجويع، قتل الأطفال والنساء والشيوخ…
بكل تأكيد كانت التضحيات جسيمة، وقد عاشتها شعوبنا طيلة ليل الاستعمار، وكان الثمن باهظا، ولكن المُحصِّلة دائما كانت في الأخير: انتصار المظلوم على الظالم.. تلك سُنّة إلهية لا مُبدِّل لها.. وذلك الذي سيحدث إن شاء الله في فلسطين.. إنَّ بعد العسر يسرا.. ويومئذ يفرح المؤمنون..