ألغام الحرب والسياسة /اعلامي جزائري عبد الناصر بن عيسى

11 فبراير, 2024 - 15:13

كلما طال زمن الحرب على غزة وتشعّب، وقضم من المكان والزمان، إلا وازدادت قناعتنا، بأننا أمام شعب فلسطيني بلغ درجة نضج كافية وضعته في موقع لا يمكن أن تكون له نهاية سوى الانتصار.
لقد بدأ المعركة لوحده، وأعدّ لها ما استطاع من قوة، فأرهب عدو الله وعدوه، وطبعا آخرين من دونه، ولن يكون له سوى النصر المبين.

كان رد حركة “حماس” بعد أكثر من أسبوع من التشاور والدراسة على مقترح باريس لإعادة السلم لفلسطين، في منتهى الرزانة، فيه من الأفكار ما اعتبره البعض “طوفان أقصى” آخر، في ذكرى الإسراء المعراج.

جاء رد “حماس” معجونا بمعاناة الشعب الفلسطيني، فيه الكثير من الماضي وبعض الحاضر والكثير من المستقبل، ومفخخا للجانب الصهيوني، الذي وصفه بـ”اللُّغم السياسي” الذي لم يختلف عن الألغام الحربية، التي وضعت الجنود الصهاينة في مأزق. وكما تميّز الأداء السياسي الإسرائيلي وحتى الأمريكي، في الفترة الأخيرة، بل ومنذ بدء “طوفان الأقصى” في الخريف الماضي بالارتباك، تواصل بعد رد حركة “حماس”، إلى درجة أن نتانياهو نفسه صار أشبه بالمصاب بـ”الزهايمر”، يقول الكلمة ويناقضها، ويفسّرها وهو لم ينطقها، أما عن الميدان، فلا يكاد يعلم إلى أين وصل، لأنه أصلا لا يعلم كيف بدأ.

هناك من اقترح تدريس خطط “طوفان الأقصى”، التي تميّزت بالسرية والإتقان والتضحية، وما جاء بعدها من خطط وضعت القوة الصهيونية المدعمة بأقوى جيش في العالم، في وضعيات محرجة، وأحيانا مأساوية، ويبدو أن الأداء الإعلامي وحتى السياسي، الذي قدّمته المقاومة على مدار هذا “العمر” من الحرب، يحتاج أيضا إلى تحويله إلى أكبر الجامعات والكليات السياسية والعسكرية، لأنه نموذج فريد، من المفروض أن يؤسّس لمنهج سياسي يساعد الشعوب المضطهدة على كيفية ضمان حقوقها وانتصاراتها، ويبيّن للأنظمة الظالمة مصيرها المحتوم.

أما عن الأداء الأخلاقي، فقد خطّ المقاومون أمام أنظار البشرية، آخر كتاب للمدينة الفاضلة التي قامت من تحت الردم، وصاحت في وجه الظالم، والتزمت الصبر، برغم الأهوال التي طعنت بها من أعدائها وخاصة من أبناء جلدتها.

لم يكن “طوفان الأقصى” مجرد “طوفان” عابر، يأتي من بعده ربيع الأمن للظالمين، كما تمنّوا واستشرفوا، بل كان مشروع حياة متكامل، وفّر كل شروط الخلود والبقاء، وبدأ الأعداء يدركون بأن مجرد المساس بهذا المشروع الخالد، أشبه بالوهم، فما بالك بقبره، كما قالوا، بل وجعلوه ضمن أهدافهم الأولى في عدوانهم النازي على أبناء غزة وكامل فلسطين.

ويكمن الانتصار المحرج لأبناء المقاومة، في أنهم من عنوان غزوتهم نسفوا المشروع الصهيوني والأمريكي، في اختصار فلسطين في غزة، فجاء اسم “الأقصى” أكبر طعنة للمشروع المهلهل للصهاينة، بدليل أن المسلمين في أندونيسيا وجزر القمر وماليزيا ومالي وغيرها من البلدان، لم يسبق لأهلها وأن احتفلوا بذكرى الإسراء والمعراج، كما احتفلوا بها هذه المرة، وقد تتحوَّل إلى احتفالية كبرى ستزيد من متاعب الظلمة، من الذين حوّل إعلام المقاومة مظالمهم إلى صفحات سوداء في كتب التاريخ، وكشفهم بعد أن دسّوا رؤوسهم في التراب، على مدار خمس وسبعين سنة.

المصدر:الشروق الجزائرية

إضافة تعليق جديد