“تعزية” بلينكن للدحدوح ! \ عبد الناصر بن عيسى

10 يناير, 2024 - 23:17
عبد الناصر بن عيسى\كاتب واعلامي جزائري

لا ادري في أي خانة يمكن أن نضع ما قاله وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، وهو يعزي الصحافي وائل الدحدوح، في مقتل ابنه البِكر حمزة، ويُذكّره بالفواجع السابقة، عندما أبادت إسرائيل وربما أمريكا، كل أفراد عائلته؟ ولا ندري إن كان ما قاله عن وجع الأب، الذي أحسّ به، في أي مشاعر إنسانية، يمكن أن نصنفه..

فلا الرجل أبان منذ قرابة مئة يوم من حرب إبادة كل حيٍّ على الأرض، عن “عواطف” ولا عن “منطق”، ومع ذلك وقف أمام العالم، وقال للمفجوع بناره، إنه يحسّ بما اقترف في حقه من قتلٍ للزوجة والأبناء وكل من له صله دم وقرابة وصداقة به؟ ستنتهي حرب غزة ويلتفت الصحافي وائل الدحدوح يمينا وشمالا فلا يجد أرضا لعب فيها صغيرا، ولا مدرسة تعلَّم فيها تلميذا، ولا زوجة ارتضاها، ولا أولادا كبُر وكَبروا معه، ما عدا دمار وخراب ساهم فيه بالمال والسلاح والدبلوماسية، من قدّم له التعازي، وألقى فيه الرثاء على الطريقة الأمريكية، التي تقود فيها دائما جنائز قتلاها.

يعلم بلينكن بأن للدحدوح إخوة وأخوات، في غزة وجنين، ضربوا مثلا في صبر خرافي، لم يحث له مثيلٌ في التاريخ القديم والحديث، في مشارق الأرض ومغاربها، وما قصة الأم التي أخبروها عن مقتل أبنائها الأربعة “ناجح ورامي وأحمد وعلاء” في قصفٍ صهيوني على جنين وهي تردّ في دهشة: “ما ضلش حدا عندي”، إلا قليل من فيض في بلاد قطّرت الشهادة تقطيرا، وقدّمتها للتاريخ، كآخر أنواع العطور.

لا ندري من الذي يستحق التعزية، هل هو من قال عن موتاه إنهم ارتقوا؟ أم الذي لا يكاد يخرج من حفرة ذل إلا إلى حفرة مماثلة؟ لا ندري إن كان من حق القاتل أن يقول رثاء في ضحيته، أو حتى يمشي في جنازته؟

فقد ذكّرنا العالم في مئة يوم، بما حدث، في مئات القرون، من فرعون وهامان والنمرود إلى موسيليني وهتلر، مرورا بالحاكم بأمر الله وتيمورلنك وهولاكو، الذين أبادوا الناس وما خلدوا فيها، وذكّرنا أيضا بالخنساء وأم حبيبة وعكرمة وبن مهيدي وعمر المختار، من الذين ماتوا أجسادا، وبقوا نماذج شرف، أحياءً يُرزقون.

صحيحٌ أن إسرائيل أنزلت عارضة الجرائم النذلة، حتى أعيت إبليس بعدها، ولكن أبناء فلسطين رفعوا سقف العزة والصبر عاليا حتى أعيوا الأعزاء الصابرين من بعدهم.

نعود إلى تعزية القرن، التي قدمها بلينكن للدحدوح، فقد وقف ببدلته وربطة عنقه الزرقاء، وهو يتأسَّف ويذكِّر الناس، بأنه أبٌ يقطر بالمشاعر، واصفا ما حدث للدحدوح وللكثير من أبناء فلسطين بـ”المأساة”، وفي المقابل يمسك وائل بيد ابنه حمزة، البارّة، التي لن تمتدّ إليه، وإلى غيره مرة أخرى، ويمسك بدموعه، شامخا، محاولا الصمود. ونقرأ من المشهدين، ما فعله الإنسانُ بالإنسانية

 

إضافة تعليق جديد