كتب الدكتور محمد المنير / حلف فضيلة لإنقاذ البلد

3 يناير, 2024 - 23:16

بعض الضباط السامين لا يتصورون حياتهم خارج السلطة وامتيازاتها، لذلك لا يتقبلون فكرة التقاعد، فهم يتطلعون للعب أدوار سامية في الحياة المدنية، وبذلك تكتمل الدائرة، حيث سيمضون كل حياتهم متربعين على زمام السلطة. فبعد ثلاثين سنة في مراكز قيادية في الجيش، سيقضون الباقي من أعمارهم في مناصب مدنية سامية، خاصة انتخابية، مهيمنين على مصالح هذا الشعب لنصف قرن، دون إنجاز ولا محاسبة.

الحقيقة أننا سئمنا تَصَدُّرَ الضباط والجنرالات للواجهة، وتبادلهم على السلطة، ومللنا الشعارات حول الإنقاذ والخلاص الوطني، وتهذيب الجماهير، والتغيير في ظل الاستقرار، والحركة التصحيحية، ورئيس الفقراء، والرئيس الرمز، وتعهداتي، وتعهداتي الموسعة، والمشوي للجميع، وعدم ترك أحد على قارعة الطريق…الشعب لم يعد يستطيع تحمل هذه التجارب الارتجالية، التي ضاعت فيها أجيال وأجيال، وضاع فيها مستقبل البلد، في ظل تزايد الحرمان والغبن، والفقر المستشري، وعدم المساواة، وتراكم المظالم، وتفشي الفساد، وتغول المفسدين، وغياب حلول ناجعة من طرف الحكومات المتعاقبة. لقد وصل المجتمع إلى نقطة الانهيار، وهذا الاستياء العام قد يؤدي إلى أزمة حقيقية، فنحن لم ندرك بعد أن السلم الاجتماعي ليس أبديا، وأن الممارسات التي نراها اليوم قد تعصف باستقرار البلد.

لا بد إذن من سن آليات تمنع الضباط من الترشح لأي انتخابات، ومن تقلد أي منصب سياسي أو إداري، على الأقل لمدة خمس سنوات، بعد استقالتهم أو تقاعدهم. الهدف هو تجنب السيناريو المكتوب مسبقا لضابط يخرج من الجيش، ثم يترشح للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، ويفوز بفضل نفوذ الجيش وتأثيره على الحياة الاجتماعية، مما يكرس احتكار السلطة من قبل نفس النخب، ويعرقل خلق الظروف الملائمة للتناوب.

في انتظار ذلك، لا تبدو المطالبة بإبعاد المؤسسة العسكرية عن مراكز صنع القرار في الظروف الحالية واقعية، نظرا لعدة عوامل، من بينها عدم استعدادها الابتعاد عن الحكم، وكذلك انعدام الضغط الشعبي اللازم لذلك. وعليه، فإن الخيار الأقل سوءا، في مثل هذه الظروف، قد يتمثل في اغتنام فرصة الانتخابات القادمة، من أجل بناء حلف فضيلة، يضم المصلحين داخل النظام، من عسكريين ومدنيين، ومصلحين داخل قوى المعارضة، على حساب المفسدين والفاسدين، لإنقاذ البلد من الأزمات التي يعيشها، والتي استعصى حتى الآن حلها على الأنظمة المتعاقبة.