رئاسة الهند لمجموعة العشرين وبزوغ فجر نظام عالمي متعدد جديد بقلم: رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي

30 نوفمبر, 2023 - 15:06
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي

اليوم يمر 365 يوم على تولي الهند لرئاسة مجموعة العشرين. وقد حان الوقت للتدبر وإعادة التزامنا وإحيائنا لشعار “أرض واحدة، أسرة واحدة مستقبل واحد”.
وعندما تولينا هذه المسؤولية في العام الماضي، كان المشهد العالمي يزخر بتحديات متعددة الأوجه منها: التعافي من جائحة كوفيد 19، والتهديدات المناخية التي تلوح بالأفق، وعدم الاستقرار المالي، ومشكلات الديون التي تواجه الأمم النامية وذلك في ظل تراجع النظام العالمي المتعدد الأطراف وفي ظل وجود صراعات وتنافسية، تراجع التعاون في مجال التنمية بما أعاق عملية تحقيق التقدم.
ومع تولي الهند لرئاسة مجموعة العشرين تسعى الهند إلى أن تقدم للعالم بديلا للواقع الحالي والتحول من نموذج التقدم الذي يعتمد على زيادة معدل الناتج القومي إلى نموذج تقدم يعتمد على تقدم الإنسان. وتهدف الهند إلى تذكرة العالم بالأمور التي توحدنا لا بالأمور التي تفرقنا. وفي النهاية يجب أن يتطور الحوار العالمي ويجب أن تفسح مصالح القلة الطريق إلى تطلعات الكثرة. ويتطلب ذلك إدخال إصلاحات أساسية تتعلق بالنظام متعدد الأطراف الذي نعرفه.
“شامل وطموح ويركز على الفعل وحاسم”… هذه الكلمات الأربع تحدد نهجنا في رئاسة مجموعة العشرين وكان إعلان الزعماء بنيودلهي الذي تبنته كافة الأعضاء بالإجماع خير شاهد على التزامنا بتحقيق هذه المبادئ، وتمثل الشمولية العامل الرئيسي لرئاستنا لمجموعة العشرين.
إن انضمام الاتحاد الإفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين قد ضم 55 أمة إفريقية إلى المنتدى ووسع منه بحيث أصبح يشمل 80% من سكان العالم. وقد أدى هذه الموقف الاستباقي إلى تبني حوار شامل حول التحديات والفرص العالمية.
وكانت “قمة صوت الجنوب العالمي” وهي الأولى من نوعها والتي عقدت دورتين منها في نيودلهي، تنبئ ببزوغ فجر جديد للنظام متعدد الأطراف. لقد ركزت الهند على مخاوف الجنوب في الحوار العالمي وبدأت عصرا تأخذ فيه الدول النامية مكانتها المستحقة في تشكيل السردية العالمية.
كما ميزت الشمولية أيضا نهج الهند المحلي في مجموعة العشرين بما جعلها رئاسة شعبية تناسب أكبر ديمقراطية في العالم. ومن خلال فعاليات المشاركات الشعبية، وصلت مجموعة العشرين إلى 1.4مليار مواطن في كافة الولايات والمناطق الاتحادية وتواصلت معهم كشركاء. وبالنسبة للعناصر الموضوعية، ضمنت الهند توجيه الاهتمام العالمي نحو أهداف تنموية أوسع تتماشى مع مهمة مجموعة العشرين.
وتتضمن الموضوعات الهامة في أجندة 2030، تقديم الهند لخطة عمل 2023 الخاصة بمجموعة العشرين لتسريع تحقيق التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة مع اتباع نهج مباشر يعتمد على الأفعال تجاه المشكلات المتشابكة في مجالات مثل: الصحة والتعليم والمساواة بين الجنسين والاستدامة البيئية.
وتمثل البنية التحتية الرقمية العامة أحد المجالات الأساسية التي تدفع هذه التقدم. وتعتبر الهند حاسمة في توصياتها في هذا المجال وقد شهدت الأثر الثوري للابتكارات الرقمية مثل أنظمة بطاقات ادهار ويو بي آي ونظام تخزين الوثائق ديجيلوكار. ومن خلال مجموعة العشرين.
استطعنا أن نستكمل بنجاح مخزون البنية التحتية الرقمية العامة وحققنا قفزة هامة في مجال التعاون التكنولوجي. ويتضمن هذا المخزون 50 بنية تحتية رقمية عامة في 16دولة وهو ما يساعد الجنوب العالمي على بناء وتبني بنية تحتية رقمية عامة للوصول إلى قوة النمو الشامل.
ومن أجل أرضنا الواحدة، قدمنا أهدافًا طموحة وشاملة لإحداث تغيير عاجل ودائم ومتكافئ. ويتعامل “ميثاق التنمية الخضراء” في هذا الإعلان مع تحديات الاختيار بين مكافحة الجوع وحماية الكوكب، وذلك من خلال وضع خارطة طريق شاملة تعمل على التكامل بين التشغيل والنظم البيئية، ويراعي فيها الاستهلاك ظروف المناخ، ويكون الإنتاج صديقا للكوكب.
وبجانب ذلك، يدعو إعلان مجموعة العشرين إلى زيادة قدرة الطاقة المتجددة في العالم إلى ثلاثة أضعافها بحلول عام 2030.
وإلى جانب إنشاء التحالف العالمي للوقود الحيوي وتضافر جهود الترويج للهيدروجين الأخضر، لا يمكن إنكار تطلعات مجموعة العشرين لبناء عالم أكثر نظافة وخضرة. لطالما تبنت الهند هذا التوجه، ومن خلال مبادرة “أنماط حياة من أجل التنمية المستدامة”(LiFE)، يمكن للعالم الاستفادة من تقاليدنا العريقة التي تتميز بالاستدامة.
فضلا عن ذلك، يؤكد الإعلان التزامنا بالعدالة والمساواة في مجال المناخ، ويحث الشمال العالمي على تقديم دعم مالي وتكنولوجي كبير.
وللمرة الأولى، كان هناك اعتراف بالحاجة إلى زيادة مخصصات تمويل عملية التنمية بشكل هائل، والوصول بحجم مخصصات التمويل من مليارات الدولارات إلى تريليونات الدولارات. أقرت مجموعة العشرين بأن البلدان النامية تحتاج إلى 5.9 تريليون دولار للوفاء بمساهماتها المحددة وطنيا بحلول عام 2030.
ونظرا للحجم الهائل للموارد المطلوبة، أكدت مجموعة العشرين على أهمية وجود بنوك تنمية متعددة الأطراف تعمل بشكل أفضل وتكون أكبر وأكثر فعالية. وفي الوقت نفسه، تقوم الهند بدور رائد في مجال إصلاح الأمم المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بإعادة هيكلة الأجهزة الرئيسية مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي من شأنه أن يضمن نظاما عالميا أكثر عدالة.
احتلت قضية المساواة بين الجنسين مركز الصدارة في الإعلان، وكان من أبرز مظاهر ذلك تشكيل مجموعة عمل مخصصة لتمكين المرأة في العام المقبل. يجسد مشروع قانون تخصيص مقاعد للمرأة في البرلمان الهندي لعام 2023، والذي ينص على تخصيص ثلث مقاعد البرلمان الهندي والمجالس التشريعية في الولايات للنساء، التزامنا بالتنمية التي تقودها المرأة.
ويجسد إعلان نيودلهي روح التعاون المتجددة من أجل تحقيق هذه الأولويات الرئيسية، حيث يركز على اتساق السياسات، وتعزيز موثوقية قطاع التجارة، وتدعيم العمل المناخي الطموح. ومن دواعي الفخر أنه خلال فترة رئاستنا، حققت مجموعة العشرين نتائج كثيرة بلغ عددها 87 واعتمدت 118وثيقة، في زيادة ملحوظة عما حققته الدورات السابقة.
وخلال رئاستنا لمجموعة العشرين، قادت الهند محادثات بشأن القضايا الجيوسياسية وتأثيرها على النمو الاقتصادي والتنمية. كما يجب علينا تبني القيم الإنسانية بدلا من العداء والتأكيد مجددا على أن هذا ليس عصر الحرب.
ومن دواعي سروري أن الهند تمكنت خلال فترة رئاستنا من تحقيق إنجاز غير عادي، فقد أعادت الحياة للنظام متعدد الأطراف، وعززت صوت الجنوب العالمي، ودعمت التنمية، وناضلت من أجل تمكين المرأة في كل مكان.
وبينما نقوم بتسليم رئاسة مجموعة العشرين إلى البرازيل، فإننا نفعل ذلك من منطلق القناعة بأن ما نتخذه من خطوات جماعية من أجل البشر ومن أجل هذا الكوكب ومن أجل إرساء السلام وتحقيق الرخاء، سوف يتردد صداها لسنوات قادمة.

 

إضافة تعليق جديد