نحن الآن في أحضان هدنة في أرض فلسطين، أيامها أربعة، وأسبابها المباشرة تبادل أسرى، وظروفها هي صمود المقاومة وعجز سافر للصهاينة للنيل منها، وتسيير ملف الأسرى كما ترتضيه حركة حماس، ولا وعد من وعود مجلس الحرب الصهيوني تحقق.
الذي يقتل الأطفال والنساء، ويدمّر المستشفيات والمنازل العائلية الآمنة، لا يمكن أن نسميه منتصرا، ففي الحروب كما يعلم الجميع وتعلم إسرائيل أيضا، لا انتصار سوى بقهر الجيش المقابل وكسر شوكته، وتحقيق الأهداف. وقد قلناها مرارا بلا حرج: إسرائيل انتصرت في جميع حروبها مع الجيوش العربية من سنة احتلالها لفلسطين، بل إننا اعترفنا وسمّينا ما حدث سنة 1948 “النكبة”، وما حدث في سنة 1967 “النكسة”، ولكن ما حدث في 2023، لم يكن قطّ انتصارا لإسرائيل ولن يكون، ولم يكن قطّ انكسارا لفلسطين ولن يكون.
منذ بداية الحرب أو العدوان الصهيوني على أبرياء غزة، وتل أبيب تطلّ علينا في كل أمسية، بوجوه صهيونية مكهربة وفاقدة للثقة بالنفس، يقودها نتنياهو ووزير حربه غالنت ورئيس هيئة الأركان غانتس، وهم يُظهرون ما يشبه الصرامة وعزّة النفس واحتقار الآخر، على أنهم يعلمون ما يفعلون وواثقون من تحقيق انتصار كبير، يتداولون على الميكروفون، محاولين أن يرسموا على ملامح وجوههم الكبرياء والهدوء، عندما يتحدّثون عن القضاء النهائي على كل أبناء حماس في كل العالم، وإعادة أسراهم مكرّمين إلى ما يسمّونه “أرض الوطن”، ولكن الأحداث وحتى عيونهم وخارطة وجوههم وحركات أيديهم كانت تكشف قلقهم ورعبهم، من دون أيِّ دراسة نفسية لملامح وجوههم.
لا أحدَ في الكيان الإسرائيلي ولا نقول في العالم، صار يؤمن بأن جنود غالنت قادرون على هزم عشّاق المسافة صفر، ولا أحد يؤمن بإمكانية تحرير الأسرى الصهاينة من أيدي محتجزيهم في قطاع غزة بالقوّة، كلهم يعلمون بأن ما حدث على مدار قرابة الخمسين يوما، هو قصف طيران المرعوبين العشوائي على الأبرياء، في التجمُّعات السكنية، وهي مهمة يمكن لأي إسرائيلي أن يقوم بها، ولا تستدعي جنودا أوهموا العالم بأنهم لا يُقهرون، وراحوا يطلقون على عملياتهم -وكلها نازية وإرهابية- أسماء “الرصاص المصبوب” و”عمود السحاب” و”حارس الحائط”، وهي في الحقيقة تمارس الجُبن بكل صفاته وتحاول أن ترسم للآخرين صورا من القوة التي تلاشت أمام المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006، وها هي المقاومة الفلسطينية تجهز عليها وتجرّها إلى القبول بكل شروطها من دون أن تحقق هدفا واحدا كان يصدح به في كل أمسية نتنياهو وغالنت وغانتس.
يقول الملاكم الأمريكي المسلم الأسطورة محمد علي كلاي، إنه كان يتأكَّد من انتصاره على خصومه على الحلبة، عندما يراهم يلجأون إلى اللكمات غير القانونية والممنوعة، فيرى هزيمتهم قبل أن يرى انتصاره. وما قاله محمد علي حول مجريات الحلبة، نشاهده حاليا على حلبة غزة، فخصمُ حماس يلجأ إلى ارتكاب المجازر ضد الأطفال والنساء والمرضى، وجرائم الحرب، والإبادة، والتعدي على قوانين العالم، ونحن نرى جليًّا هزيمته قبل انتصار فلسطين.