فرنسا تضع علمانيتها العنصرية فوق أي شيء لا يتّسق معها.. منتهى الديكتاتورية الأيديولوجية/ أ.د. علي الهيل

17 نوفمبر, 2015 - 11:53

فرنسا تختلف تماماً عن بريطانيا و ألمانيا و أمريكا و غيرها من الدول في أوروبا.  دول أوروبا و أمريكا علمانية.  بَيْدَ أنها تتعايش مع الديانات و الثقافات و الأعراق الأخرى، و تحترم قيم الأقليات بما فيهم المسلمون.

فرنسا الرسمية بالتحديد عليها تغيير سياساتها تجاه الإسلام دين أكثر من عشرة ملايين من مواطنيها.  شارلي إبدو المجلة الكاريكاتورية مدعومة من فرنسا الرسمية لا تكف عن إستفزاز المواطنين الفرنسيين المسلمين برسومات مسيئة عن القيمة الأهم في حياة مواطنيها المسامين و هو رسول الله محمد (صلى الله عليه و سلّم.)

في المستشفيات الفرنسية قال لي كثير من الفرنسيين المسلمين إنَّ عبارة”إنْ شاء الله أو الحمدلله أو أن الشافي هو الله” عبارات ممقوته لدى الأطباء و الممرضين الفرنسيين و لا يتحملونها و يردون على المريض الفرنسي المسلم نحن الذين نعمل من أجل شفائكم فلماذا تنسبون ذلك إلى الله، أين هو الله.  هذا لا يحدث في دول أوروبا الأخرى أو أمريكا أقصد لا يشكل ظاهرة و إن كانت ثمة تصرفات فردية لا تؤخذ في الحسبان.

لماذا فرنسا هي التي يهاجمها مواطنوها الفرنسيون المسلمون بين حين و آخر و خلال فترات متقاربة؟ لأن فرنسا الرسمية متطرفة ضدهم و ضد قيمهم الإسلامية.

فرنسا الرسمية لا تؤمن إلا بحرية قيمها العلمانية و تنظر إلى القيم الإسلامية على أنها العدو الأول لعلمانيتها.  تطرف فرنسا الرسمية هو المسؤول عن تطرف مواطنيها المسلمين.  تطرفها هو الفعل و تطرف مواطنيها المسلمين هو مجرد رد الفعل و هو مبرر مع اختلافنا مع المهاجمين باستهدافهم الأهداف الناعمة كالأبرياء.

معظم مواطنيها المسلمين من شمال إفريقيا العربية و من إفريقيا الغربية كجمهورية مالي و ساحل العاج و سيراليون و غيرها.  فرنسا إستعمرت الجزائر -التي يشكل مواطنوها من أصول جزائرية ٣٠٪ من الأقليات الفرنسية- منذ ١٨٣٠-١٩٦٢.  خلال إستعمارها إرتكبت الفظائع و المجازر في حق الجزائريين في الداخل و في فرنسا ذاتها.  رغم ذلك لا تريد الحكومات الفرنسية المتعاقبة حتى مجرد الإعتذار عن مذابحها حتى الواضحة منها كتلك التي وقعت في مدينة سطيف عام ١٩٤٥.

هذا سبب لحنق المواطنين الفرنسيين من أصول جزائرية على فرنسا الرسمية.  إضافة إلى أن فرنسا لا تعاملهم كما تعامل الأقلية اليهودية مثلاً رغم أنها سرقت خيرات و ثروات الجزائر.  يكفي أن نعلم أن سبب غزو و استعمار فرنسا للجزائر هو مطالبة الداي حسين فرنسا برد الديْن. الجزائر ساعدت فرنسا عندما حاصرتها أوروبا و صدّرت لها القمح و الذرة و كانت أغنى من فرنسا و كثير من دول أوروبا.  إن أحد أهم أسباب كراهية فرنسا للإسلام هو أنه كان المحرك الرئيس للمقاومة الأسطورية ضدها.  الشيء نفسه ينطبق على المواطنين الفرنسيين من الأصول الأخرى.  التدخل الفرنسي في مالي ضد الجماعات الإسلامية خلق مقتاً لها بين المسلمين.  نضيف إلى ذلك وقوف فرنسا مع الكيان الصهيوني و بناء مفاعلها النووي في منتصف الخمسينات و تسليح الكيان الصهيوني بطائرات الميراج.  كان ذلك لدوافع لها علاقة بالحروب الصليبية و القدس و المسجد الأقصى التي تشكل قيماً أساسية لمواطنيها المسلمين.

فرنسا لها دور مع بريطانيا و روسيا في إتفاقية سايكس-بيكو التي قسمت العالم العربي بين بريطانيا و فرنسا.  صحيح أن بريطانيا مثلاً مسؤولة عن كوارث كثيرة في العالم العربي.  على رأس تلك الكوارث إحلال اليهود في فلسطين.  بَيْدَ أن بريطانيا تتعايش مع القيم الإسلامية و تسمح بممارسة القيم الإسلامية و لا تستفز مشاعر مواطنيها المسلمين على عكس فرنسا.

فرنسا الرسمية و هو الأهم لا تطيق شيئاً إسمه الإسلام حتى و إنْ سمحت ببناء المساجد.  فرنسا الرسمية لا تحترم قيم الإسلام التي يمارسها مواطنوها المسلمون كقيمة الحجاب و قيمة وجود الله.  فرنسا الرسمية لا تعترض على القيم اليهودية.  بل في كل مرة ينتقم مسلمون من فرنسا الرسمية نتيجة معاداتها و استفزازها لقيمهم تعيد فرنسا الرسمية مقولة أن “اليهود فرنسا و فرنسا هم اليهود.”  فرنسا الرسمية بمثل هذه الحماقات الإنتقائية توغر صدور مواطنيها المسلمين أكثر.

أستاذ جامعي و كاتب قطري

رأي اليوم