أزيد من شهر، وأكثر من 11 ألف قتيل، و3 آلاف مفقود ما زالوا تحت الأنقاض، وقرابة 30 ألف جريح، ودمار شامل، وترسانة حربية أمريكية لم يُستعمل مثيلٌ لها حتى في الحرب العالمية الثانية، من أجل القضاء على حركة حماس وبقيّة الفصائل المسلحة، من الذين تعاهدوا على النصر أو الشهادة.
وإذا كانت أهداف الصهاينة والأمريكيين ممكنة نظريا وميدانيا، فلكل معركة أو حرب رابح وخاسر، بداية من كسر شوكة المقاومة الإسلامية مؤقتا، وتصفية رجالها، وانتهاء بتحرير أسراهم، فإن ما لا تستطيع إسرائيل وكل الداعمين لها محوه، هو تلك الهزيمة المذلة التي تذوّقوها في السابع من أكتوبر الخالد، الذي تحوّل رغما عنها، إلى عيد إسلامي إلى يوم الدين، وتحوّل إلى نكسة مذلة للصهاينة إلى يوم الدين.
يحتفل الإسرائيليون إلى اليوم، بتاريخ النكسة عندما تغلبوا على جيوش عربية في 5 جوان 1967 ويعتبرون ما حققوه أمام الجيوش السورية والمصرية معجزة لم تجُدْ أساطير الفداء بمثيل لها كما يقولون، بالرغم من أن انتصارهم كان بهندسة إنجليزية وفرنسية وأمريكية، لأجل ذلك حاولوا أن يشغلوا الناس بالنار والدماء والدمار، وأرادوا أن يضعوا صورا بديلة لطوفان الأقصى، حتى يُنسوهم ذلك اليوم الخالد، عندما رسم أبناء المقاومة عبر الطوفان الخالد، ملحمة أبانت كم هو بيتهم واهن، لا يصمد أمام نسمة ريح، فما بالك بطوفان جارف.
ينشد أبناء المقاومة الفلسطينية واللبنانية في معاركهم مع الصهاينة: “نحن بركانٌ تفجّر هاتفا الله أكبر… نرتدي الأكفان حتى دنيانا تحرر”، وواضح أن البركان الثائر بالتكبير لن يخمد أبدا، حتى ولو حققت إسرائيل أمنية وزير تراثها في محاولة إزالة غزة من الوجود بقنبلة نووية.
يُعرّف الثأر قانونيًّا بقيام أقارب القتيل بتولي تصفية القاتل أو أحد من ذويه انتقاما لأنفسهم من دون أن يتركوا للقانون حق إقامة حكمه، وهو خصلة تقوم بها بعض القبائل البائدة، التي هي في الأصل خارج القانون، وغالبا ما يكون الثأر عملا وحشيا أشبه بمحاولة السُّكر أو تعاطي المخدرات لنسيان الواقع، كما كانت الحال مع هند بنت عتبة، التي فقدت والدها بن ربيعة وعمها شيبة وشقيقها الوليد في معركة بدر، فكان ثأرها “وحشيا”، سطحا ومضمونا في غزوة أحُد، عندما شقت بطن حمزة بن عبد المطلب عم الرسول الكريم بحثا عن كبده، ومع ذلك لن ينسى المسلمون إلى غاية الآن تلك المبارزة في افتتاح غزوة بدر، التي لقن فيها علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث درسا في الفداء للمشركين، وجاء نصر بدر الذي حمى المسلمين ونصرهم في أول معركة في تاريخ الإسلام.
ما تحقق في طوفان الأقصى، هو البداية الحقيقية لغزوات الشرف التي بقيت خالدة وملهمة، من بدر الكبرى إلى طوفان الأقصى.