حين قام العرب المطبِّعون بربط علاقات سياسية وثقافية مع عصابة الكيان (التطبيع)، وتبادلوا معهم الزيارات والوفود الديبلوماسية وفتح التمثيليات، من غير حسابات دقيقة لما يترتّب على ذلك من خزي وعار وفقدان لقراراتهم السيادية، ومما قد يصيبهم من تمزّق صفوفهم ووحدتهم وانكسار شوكتهم، وممّا سيتلقونه من ازدراء واستصغار من المجموعة الدولية، وما يتبع ذلك من لعنات التاريخ التي ستلاحق مثل هذه الأفعال غير المحمودة، ولم يقدِّروا أن عصابة الكيان، وأشياعهم من الدول الغربية الاستعمارية، لا يرضون عنهم ولو سلّموا لهم أوطانهم وقضاياهم القومية على أطباق من ذهب.
لأن الكثير من اليهود والصهاينة المستعلين في الأرض، أُشرِبوا الكفرَ والجحود والتنكّرَ للجميل، ونقضَ العهود لتَشَرُّب الغدر في قلوبهم، منذ نشأتهم الأولى، وقد ازدادوا قسوة وغلظة واستعلاء في الأرض، أنهم نشأوا في أراضي الشتات بالبلدان الغربية، وهي البلدان التي نشأت على الصراعات الدينية والمذهبية والعنصرية والصدامات العنيفة في الحروب المدمرة التي خاضوها بينهم أو فيما بينهم وبين مستعمراتهم، أو فيما رأوه من تقتيل وتدمير وحرق الأجسام البشرية في الأفران في الحربين العالميتين، أو في مجزرة هيروشيما وناغازاكي المقنبَلتين بالنووي من غير رحمة ولا شفقة، أو من إبادة جماعية للهنود الحمر في الأمريكيتين، وأستراليا وللسّود في إفريقيا والملوَّنين بآسيا.
هذه المجازر الوحشية في الحروب، التي ارتكبها الإنسانُ الغربي، كوّنت لديه نزعةً شرهة متعطّشة لشرب الدماء البشرية من غير شعور بالارتواء، ومن غير إحساس بالحرج والتأثُّم والتذمُّم، ومن غير تفريق بين المحاربين والمدنيين المسالمين، لأن الإنسان الغربي يحاسب الناس على نيّاتهم وما هو مكنون في ضمائرهم، وهو أمرٌ مخالف لشرائع السماء والأرض.
ولما عاش اليهود والصهاينة دهورا طويلة في هذه البيئات المتوحشة، تأثروا بأنماط حياتها العدوانية، وأضافوها إلى طبيعتهم المشاكسة (المخاصمة) لكل من يخالفهم العقيدة والمشرب، ونقلوا هذه العادات والأعراف والتقاليد الأخلاقية إلى فلسطين المحتلة، بعد أن تطبّعوا بها وأصبحت عقيدة راسخة في عقولهم، ينشأ عليها الصغار ويموت عليها الكبار، وصار جزءا من تفكيرهم وسلوكهم وأخلاقهم في الحروب التي يخوضونها مع الفلسطينيين اليوم، إلا أقلّهم ممن لهم ضمائر إنسانية حيّة، وتظاهروا مع المتظاهرين في أوروبا، وبعضهم اقتحموا الكونغرس وطالبوا بتوقيف ما سمّوه همجية الحرب في غزة.
والحرب القذرة المفرطة في الوحشية التي أوقدوا نارها اليوم في غزة، تنمّ عن استغراق رهيب في أنانية مقيتة، ولولا خشيتهم من انتشار الإشعاعات في الأراضي المحتلة، لقصفوا غزة بالنووي وأبادوا سكانها بضربة واحدة، ولوجدوا الذريعة لاحتلالها الأبدي، بحجَّة أنها أرضٌ غير مسكونة.
وما الذي يمنعهم من فعل ذلك؟ ما داموا مستبيحين لكل عرض ومقدّس، وهذا كبيرهم في القسوة والغلظة والفظاظة، أطلق أيديهم ليقتلوا ويذبِّحوا ويدمِّروا، حتى المستشفيات لم تسلم من همجيتهم وقد بارك الغرب قصفها، وقد ترادف على زيارة الكيان بالتزامن مع شيخهم العجوز، التابعُ الذليل رئيس وزراء بريطانيا سوناك الذي سار على خطى التابع بلير في الاعتداء على العراق من قبل، وسيلحق على أثرهم، حسبما أفادت به وسائل إعلام غربية، الخائب ماكرون ليبارك همجيتهم ووحشيتهم وقسوتهم، وكم كانت مظاهر التشفّي والابتهاج باديّة على ملامح كبيرهم، حين غازل رئيسَ وزراء عصابة الكيان بكلمات بدت له أنها عِذابٌ، وكانت غاية في الوقاحة والقبح وقلة الحياء “لا أعتقد أنكم أنتم من قصف المستشفى”، وبادله رئيسُ وزراء العصابة ووجه كالح من ألم التأثر مما لحقهم من خزي وذلّ وعار على أيدي المقاومين، بادله بابتسامةٍ فاترة ولكنها كانت تحمل في دلالاتها، كثيرا من مظاهر الابتهاج والخبث والسخرية والتشفّي والروح الانتقامية، وهل يتشفّى المحاربُ الشجاع في قتل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى!؟
كلُّ ذلك ما كان ليقع لولا سياسة التَّطبيع، التي أفقدت العرب فحولة رجولتهم وهيبتهم وزمام أمرهم، وجعلت همجية عصابة الكيان تزداد ضراوة، والغرب يتحرر من نفاقه ويخرج إلى العلن في التأييد الأعمى لجرائم الكيان غير المسبوقة في تاريخ الشعوب المتمدّنة، وما يدلُّ على ذلك سخرية إدارة عجوز البيت الأبيض، حين أرسل إليهم وزير خارجيته يطلب إليهم إدانة المقاومة، وتهجير سكان غزة إلى سيناء، كل ذلك ما كان ليحدث لولا سعيهم الحثيث إلى التطبيع بالمجان ومن دون مقابل، ولم يكتفوا بذلك فحسب، بل زادوا عليه بأن تملّكهم ابتهاجٌ كبير من هذا التطبيع، وجنّدوا شيوخ الوعظ السياسي وأئمة الضلال الإعلامي، ليروِّجوا لفوائد التطبيع وانعكاساته الإيجابية على القضية الفلسطينية وكل ذلك كلام زور، وكم كان شيوخ الوعظ بارعين في ربط هذا التطبيع بما فعله النبي (ص) مع طوائف اليهود في المدينة من برٍّ وتسامح ومجاورة ومساكنة، ليدلسوا على حقائق السيرة العطرة، استرضاءً لمن طلب إليهم فعل هذا التدليس والتحريف والتزوير.
وخُيِّل إلى المطبِّعين المهزومين المتخاذلين، أنهم نالوا الحظوة والقربى والزلفى لدى عصابات الصهيونية العالمية، وأنهم أصبحوا مالكين لزمام الغرب والشرق بهذا التطبيع المُذلّ، وصدق المتنبي حين قال: “ومن يَهُنْ يسهل الهوانُ عليه”، والإنسان لا يلوم عدوه إن احتقره وازدراه وأذله وضحك به وغدره واعتدى على حقوقه المشروعة، حين يبيع شرفه وذمّته وقضاياه الدينية والقومية للأعداء.
إمعانا في الاستهانة بعرب التطبيع، لأنهم اجتمعوا مع المجتمعين، في مؤتمر القاهرة للسلام، لاستجداء الكيان كي يوقف الحرب، قال إيدي كوهين إعلامي صهيوني في تغريدة مُتهكِّما بالعرب: “اسمعوا هذه النكتة، العربُ يجتمعون في قمة عاجلة، ويطالبون الغرب بالتدخل، طيّب ما محلّكم من الإعراب يا أعراب؟ أسمع تصريحاتكم كأنكم من الفضاء”. كان يعلم بأن العرب لا يقدّمون ولا يؤخرون ولا يحرّكون ساكنا، وقد فعلت الجزائر خيرا حين امتنعت عن الحضور.
وإمعانا في الاستهانة بعرب التطبيع، لأنهم اجتمعوا مع المجتمعين، في مؤتمر القاهرة للسلام، لاستجداء الكيان كي يوقف الحرب، قال إيدي كوهين إعلامي صهيوني في تغريدة مُتهكِّما بالعرب: “اسمعوا هذه النكتة، العربُ يجتمعون في قمة عاجلة، ويطالبون الغرب بالتدخل، طيّب ما محلّكم من الإعراب يا أعراب؟ أسمع تصريحاتكم كأنكم من الفضاء”. كان يعلم بأن العرب لا يقدّمون ولا يؤخرون ولا يحرّكون ساكنا، وقد فعلت الجزائر خيرا حين امتنعت عن الحضور، وهذا أمير قطر خرج من القمة وغادر إلى بلاده، لأنه انزعج مما أبداه عربُ التطبيع من ليونة في الطرح، وممّا ردّده الأوربيون من تزكية ومباركة للعدوان الصهيوني، وإدانة صريحة للمقاومين الذين دافعوا عن أرضهم المغتصَبة، وقال شيخ الأزهر في خطاب معلن: “إنّ العرب يطلبون من الغرب الضغط على إسرائيل، وأنا أقول: أنتم من يضغط على الغرب، بسحب سفرائكم من بلدانهم، وقطع الامدادات من البترول والغاز، لتضغطوا على الغرب وهو يضغط على إسرائيل”، لأن الغرب يريد من الكيان أن يعمل خارج القوانين، كيما يتاح له احتلالُ أراضي الفلسطينيين واستعبادهم.
وخرج كبير المتصهينين حاخام العرب، المسمى- زورا- الداعية وسيم يوسف، وهو في الحقيقة ينطبق عليه قول: زنيم يوسف، في تسجيل فاضح ومخجل ليدين بني قومه ونحلته من العرب والمسلمين ويصفهم بكلّ كلام قبيح، ودعا الكيانَ إلى تدمير غزة على رؤوس أهلها، لأنها تأوي “إرهابيي” حماس، وقد نوّه بكلام هذا الزنيم الخائنُ الصهيوني أفيخاي أدرعي واعتبره “عين العقل وحكمته”.
خرج كبير المتصهينين حاخام العرب، المسمى- زورا- الداعية وسيم يوسف، وهو في الحقيقة ينطبق عليه قول: زنيم يوسف، في تسجيل فاضح ومخجل ليدين بني قومه ونحلته من العرب والمسلمين ويصفهم بكلّ كلام قبيح، ودعا الكيانَ إلى تدمير غزة على رؤوس أهلها، لأنها تأوي “إرهابيي” حماس، وقد نوّه بكلام هذا الزنيم الخائنُ الصهيوني أفيخاي أدرعي واعتبره “عين العقل وحكمته”.
ولكن ينبغي ألاّ تنسينا جرائمُ الاحتلال ومآسي التطبيع، كيما نقول الحق على أن في الغرب رجالا ونساءً شرفاء وأحرارا، فُطروا على قول الحق مهما كان مخالفا لعقائدهم السياسية، إذ خرجت وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية بالإنابة إيوني بيلارا، وطالبت حكومتها بتقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة.
وفعلت مثلها نائبةٌ فرنسية إذ شنّعت بجرائم الاحتلال، وتظاهر أحرار الأوربيين في عواصمهم تنديدا بهمجية القتل والتدمير، وكذلك بما فعله يهود نيويورك حين تظاهروا، مطالبين بتوقيف الجرائم المرتكَبة ضد المدنيين، وأكد رئيس الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع أحمد شبيل نعيمة، بأن تطبيع النظام الحاكم في بلاده، هو أحد أسباب المذبحة الجماعية في غزة، وحسب استطلاع أجري في أمريكا فإن 56 في المائة لا يوافقون سياسة بايدن في دعمه غير المشروط للكيان، .بينما وصلت عند الجمهوريين إلى 72 في المائة.
وحسبما أعلنته صحف أمريكية، فإن الدعم الأمريكي للكيان لا يتوقف، إذ أعلن المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر، بأن واشنطن تبعث مساعدات عسكرية منظمة للكيان بشكل شبه يومي تتضمن قنابل موجَّهة وصواريخ اعتراضية، وهو ما نقلته وكالة الأناضول مؤكّدة أن 45 طائرة شحن تحمل 1000 طن من الأسلحة، وصلت إلى إسرائيل منذ بدء الحرب على غزة، وهذه سابقة لم تحدث في إدارة البيت الأبيض، حتى إن أحد كبار الديبلوماسيين الأمريكان لم يكشف عن اسمه، انتقد بايدن مباشرة، وقال: إن الرجل وصل إلى سنِّ الخرف، ولم يعد يعرف ما يجب فعله في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية.
ولكن في حقيقة الأمر أن هذه المجازر، والمآسي والتأييد الغربي غير المسبوق، ما كان ليحدث لولا تنافس العرب وتهافتهم الشديد على التطبيع المُذّل، حتى أصبح إعلاميو الصهاينة ينادونهم بالأعراب الفاقدين للحسّ والمسئولية.