عندما يخرج “الجِنرال” محمد الضيف زعيم “كتائب القسّام” الجناح العسكريّ لحركة “حماس” من مخبئه المُتواضِع، وبصُحبته “أبو عبيدة” النّاطق الرسمي باسمِه بشماغِه الأحمر، وبعد غيابٍ قارب العامين، وتحديدًا مُنذ معركة “سيف القدس”، فإنّ هذا يعني أنّ نصرًا كبيرًا في الطّريق وأنّ من اقتَحموا المسجد الأقصى سيُواجِهون عِقابًا صارمًا، ومعهم السّلطات الإسرائيليّة التي وفّرت لهُم الحِماية، والآن عرَفنا أسباب هذا الغِياب وأبرزها التّحضير لهذا النّصر الكبير.
“الجِنرال” الضيف، واسمحوا لنا أن نُخاطبه بهذا اللّقب الذي يستحقّه بجدارةٍ، ويتواضع أمامه كُل الجِنرالات العرب الذين لم يخوضوا معركةً واحدة، أو يُطلقوا طلقة “فشنك” في تاريخهم ليستحقّوا النّياشين “المُزوّرة” التي يُزيّنون بِها صُدورهم وأكتافهم.. الجِنرال الضيف قالها بهُدوءٍ، واختصارٍ شديد “اليوم يوم المعركة الكُبرى لإنهاء الاحتِلال الأخير على سطح الكُرة الأرضيّة، ومُعلنًا إطلاق 5000 صاروخ دُفعةً واحدةً في عدّة دقائق لتدشين هذا الهُجوم المُبارك”، أمّا أبو عبيدة فجسّد المشهد بقوله “إسرائيل تتهاوى أمامنا و”طوفان الأقصى” (اسم العمليّة) يجري كما هو مُخطّطٌ له”، وتهاوت أمامهما وقوّاتهما كُل القبب الحديديّة ومقالع داوود، وطائرات الشّبح.
على الأرض وفي مُستوطنات غِلاف غزّة المُغتصبة، تحقّقت المُعجزة الأكبر في زمنٍ عربيٍّ استحالت فيه المُعجزات، وشاهدنا دبّابة “ميركافا” ذليلةً مُهانةً في مُستوطنات غِلاف غزّة، وعاجزةً عن حِماية مُستوطنيها، ورجال المُقاومة يجرّون جِنرالاتها وجُنودها مِنها مِثل الخِرفان يتوسّلون الرّحمة، وفي مشهدٍ آخَر رأينا المُستوطنين يهربون دُون هدَى في حالةٍ من الذّعر والرّعب غير مسبوقة، ويُصدرون صرَخات النّجدة دُونَ مُجيب.
***
الصّور الحيّة، بالصّوت والصّورة لا تكذب، فالمُقاومة قتلت أكثر من مئة إسرائيلي وأصابت المِئات، وأسَرت مثلهم أحياءً وأموات، واحتفظت بهم في أماكنٍ آمنة لاستِخدامهم كورقةٍ قويّةٍ ستُؤدّي إلى تبييض جميع السّجون الإسرائيليّة من الأسرى المُناضلين والمُناضلات الشّرفاء، وجرى توثيق هذه الصّور ونشْرها في وسائل التّواصل الاجتماعي، وهذه حربٌ إعلاميّةٌ أُخرى لها وَقْعُ الصّاعقة على معنويّات العدوّ وجيشه وشعبه.
هذه أكبرُ ضربةٍ قاتلةٍ عسكريًّا وسياسيًّا ومعنويًّا للمُؤسّسات الإسرائيليّة الثّلاث، العسكريّة والأمنيّة والسياسيّة مُنذ خمسين عامًا، وبالتّحديد مُنذ حرب تشرين عام 1973، لأنّها استهدفت عُمقه “الآمِن” فعندما يَهرُب المُستوطنون ويتدعثرون بجُثث جُنودهم، ويتّصلون بالشّرطة، ويتوسّلون الجيش وقوّات الأمن لنجدتهم، ولا أحد يستجيب لاستِغاثتهم، فإنّ هذا قمّة الانهِيار للجيش الإسرائيلي الذي يحتلّ المرتبة الرّابعة كأقوى جيشٍ في العالم، إن لم يكن قد انهارَ فِعلًا، وليس في طريقه للانهِيار.
المُقاومة انتَصرت، بغضّ النّظر عن مسارِ التطوّرات في الأيّام القادمة، فهذه حربٌ طويلة، ولن يخرج منها العدوّ سالمًا، وإنّما مُثْخَنُ الجِراح، اللّهمّ إلّا إذا تطوّرت إلى حربٍ إقليميّةٍ، وتُجسّد وحدة ساحات، ودخلت أذرع المُقاومة الميدان، فإنّ الكتابة واضحة على الحائط.
هُناك عُقولٌ جبّارةٌ وشُجاعةٌ تملك أعصابًا حديديّة، وقُدرة إداريّة مُتطوّرة جدًّا للمعارك تتفوّق على نُظرائها في جميع الأكاديميّات العسكريّة العالميّة تقف خلف هذه الحرب، وتُديرها، بعد استِعدادٍ جيّد، ومُناورات جرى بثّها في وسائل التواصل الاجتماعي، وحظيت بالسّخرية من العدوّ وحُلفائه المُطبّعين، فزمن الجِنرالات من سانت هيرست (البريطانيّة) ووست بوينت الأمريكيّة ولّى إلى غيرِ رجعة.
الوُسَطاء العرب يُهرولون لعرض خدماتهم لوقف هذه الحرب، خدمةً للاحتِلال، وتقليصًا لخسائره، وإنقاذه من أزماته ومصيره الحالِك السّواد، وبطلبٍ عاجلٍ من الولايات المتحدة، ولكنّ قادة المُقاومة في الدّاخل يرفضون الرّد، ويقولون لهؤلاء الوُسَطاء، لا نملك وقتًا لكُم، فنحنُ في قلبِ المعركة الأهم والأشرف، وعلى أيّ حال جرّبناكم ولم نَرَ منكم إلّا الخُذلان والتّواطُؤ مع الأعداء، فاستَعملنا، ونستعمل اللّغة التي لا يفهم حليفكم العدوّ غيرها.
***
رجاءً احفظوا تاريخ هذا اليوم السّابع من تشرين أوّل (أكتوبر) جيّدًا، وبَروِزُوه على حيطانِ غُرفِ نومكم وجُلوسكم، لأنّه يومٌ مُقدّسٌ، قد يكون نهاية مرحلة الاستِسلام والتّطبيع ووَهمِ الاحتِماء بالعدوّ، وبدايةِ عهدِ الكرامةِ والعزّة، وتحرير فِلسطين كُلّ فِلسطين.
العدوّ الإسرائيلي فقد الكثير من هيبته وسُمعته وقوّته، إن لم يكن قد فقدها كلّها، بإطلاق الجِنرال الضيف الضّوء الأخضر لأوّل صاروخ، وأوّل اقتِحامٍ للمُستوطنات وتحريرها، ولا عزاء للمُطبّعين الجُدُد والقُدامى.
نِتنياهو يعترف أن كيانه الهش أصبح في حالةِ حرب، ويُهدّد برَدٍّ قويٍّ ومُزلزل، ويستدعي الاحتِياط، أهلًا وسهلًا، فماذا سيفعل؟ قتل المِئات والآلاف من الأبرياء في قِطاع غزّة؟ فليفعل إذا استطاع، فهذه ليست المرّة الأولى، فجميع الفِلسطينيين هُم مشاريعُ شُهداء، ولا نستبعد أن يأتي الرّد على ردّ الرّد دمارًا في تل أبيب وحيفا والقدس.
الجهاد الإسلامي انضمّ إلى “حماس” في هذه المعركة، ومعها كُل الأجنحة العسكريّة المُقاومة للفصائل الكُبرى، أمّا كتائب الضفّة الغربيّة في جنين ونابلس وطولكرم وقريبًا الخليل إن شاء الله فقد نزلت وستنزل إلى الميدان بمعنويّاتٍ عالية، وإرادة قويّة ومعها حاضِنتها الشعبيّة الصّلبة في تجسيدٍ حقيقيٍّ لوحدة السّاحات، والوحدة الوطنيّة، ولن نستبعد دُخول أذرع محور المُقاومة في لبنان واليمن وسورية والعِراق، الميدان في المُستقبل المنظور، إن لم يكن في غُضونِ ساعاتٍ أو أيّامٍ معدودة.
للأقصى المُبارك مُقاومةٌ تحميه، بالدّمِ والأرواح، وشُعوبٌ عربيّةٌ وإسلاميّةٌ لن تُفرّط به، والعدوّ تلقّى درسًا مُذِلًّا لن ينساه، ولا عزاء للجُيوش المُتكرّشة، الجاهزة لأمْرٍ واحد فقط، وهو الاستِعراض التّمثيلي، وإهدار المِليارات على أسلحةٍ خُردة مُنتهية الصّلاحيّة، وعُمولات ضخمة لمُعظم قادَتها الفاسِدين المُتكرّشين، والنّهاية باتت قريبة لهُم ودولة الاحتِلال معًا.. والأيّام بيننا.