يبدو أنها المحاولات الأخيرة اليائسة لدول الإتحاد الأوروبى في افريقيا بعد التطورات الأخيرة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
إصرار فرنسا على بقائها في النيجر رغم الغضب الشعبي العارم، لا يعني سوى أمر واحد: أنها باتت على وشك خسارة ورقتها الأخيرة أمام هذا الانقلاب الكبير ضد مصالحها، أما اتخاذ الاتحاد الأوروبي قرارَ إرسال بعثة عسكرية لكل من غانا والكونغو والبنين وكوت ديفوار في الوقت الراهن فبقدر ما يُذكِّرنا بالبعثات العسكرية الغربية التي مهدت للاستعمار في القرنين التاسع عشر والعشرين يكشف حقيقة سياسة الاستعمار الجديد القائمة على استخدام القوة والتهديد بها للإبقاء على بعض النفوذ لعملائه المنهارين الواحد تلوى الآخر…
لقد بدا الرئيس الفرنسي “ماكرون” متناقضا في خطابه أمام سفرائه يوم الاثنين الفائت وهو يتحدث عن السياسة الخارجية لبلاده وبلدان الاتحاد الأوروبي.. فلا هو أقنع بقدرة فرنسا على أن تبقى كما كانت قوة عسكرية تقليدية في القارة، ولا قَدَّم بديلا للمستقبل. كل ما استطاع قوله عن الماضي أن بلدان الساحل كانت لتنقسم على نفسها ولا تكون بالحدود التي هي عليها اليوم لولا فرنسا، وأنها لم تكن لتعرف الطريق نحو الديمقراطية والتقدم لولا فرنسا… وكأنه يتحدث لنفسه أو لأُناس يعيشون في كوكب آخر، وكأنه لا يدري أن بلاده وبقية الدول الأوروبية هي التي عاثت في افريقيا فسادا منذ مؤتمر برلين 1884 عندما قام قادتها أنذاك بتقسيم القارة بينهم قطعا على الخرائط من دون أي اعتبار لطبيعة شعوبها ولا للروابط القبلية بين أممها، ولا لتاريخها وتركيبتها البشرية، ثم حَوّلوا سكانها إلى عبيد واستمروا في سرقة ثرواتهم إلى يومنا هذا… وكأنه لا يدري أن بلاده وجميع أعضاء الحلف الغربي المُشَكَّل اليوم ضد القارة هم مَن مَنعوا شعوبها عن طريق بيادقهم من أن يكونوا أسيادا على ثرواتهم، منسجمين مع ثقافتهم لبناء دولهم، وكانوا المتسبب الرئيس فيما انتهت إليه بلدانهم من فقر وتخلف نتيجة سياستهم “المتحضِّرة” وقواعدهم العسكرية التي تكافح الإرهاب الذي صنعوه… على نموذج ما حدث ويحدث بالنيجر اليوم أفقر دول العالم والأكثر استقبالا للقواعد العسكرية الأجنبية… ولذلك لا يجد بُدًّا من أَنْ يُصرِّح أمام سفرائه ضمنيا بعدم جدوى هذا الأسلوب وهو يتحدث عن السياسة الجهوية لبلاده في افريقيا.. يقول في آخر خطابه موصيا إياهم:
“لقد كان لدينا (في السابق يقصد) توجه أكبر نحو الحديث مع العواصم والحُكَّام.. أما اليوم فينبغي تعزيز الروابط مع المجتمع المدني وجميع الفواعل الآخرين”.
“خطؤنا أننا عوَّلنا على السلطات ونسينا المجتمع، المدرسة، الفلاحة، البيئة…”
“المبالغ المستثمَرة في الدعم والشراكة لم تظهر في كثير من المواقع بأنها من فرنسا” لمواجهة الشبكات المضادة لنا.. (يقصد المناهضة للاستعمار الجديد).
“لذلك ينبغي تعزيز التكوين، التطوير الاقتصادي، الثقافة، الرياضة… ينبغي تجنيد كل افريقيا لحضور المنتدى الخامس في أكتوبر القادم بباريس “افريقيا طُموح”ambition africa ، سيكون ذلك مناسبة لتجنيد كل الأفارقة للحضور “…
هكذا إذن ينتقل الاستعمار من أسلوب العصا إلى أسلوب الجزرة في نفس الخطاب… وهكذا هي منهجيته باستمرار… علينا الحذر كل الحذر منها اليوم، مادام يترنح، وهو في آخر أيامه… على المجتمع المدني أن ينتظر كل شيء ضار من الآن فصاعدا …