ابلوح مامّه الجنية /كتب الاستاذ محمد الكوري ولد العربي

14 أغسطس, 2023 - 16:02
الأستاذ/ محمد الكوري العربي

من محكياتنا الشعبية أن جنّية تدعى ( مامّه الجنّه ) كانت
 " تسمٍّن / اتبلّح" بنتها...و  كانت لها علاقات خفية مع نساء الجن...  فتستشيرهن في أفضل السبل لجعل بنتها من حيث الشكل سمينة  مثل نساء الإنس. كان نساء الإنس يعطينها خبرتهن في لبلوح. غير أن الجنية مامّه تدرك أن الجمع بين شكل بنات الإنس و خفة بنات الجن مستحيل؛ فأرادت أن تجمع بين الأمرين النقيضين: فكانت توفر لبنتها كل ما يلزم من أجل السمنة بناء على استشارة الإنسيات لكنها كلما أرادت البنت أن تأكل أو تشرب فإذا بأمها نفسها تمنعها من الأكل و الشرب!! 
هذه القصة عن ابلوح مامه الجنية تنطبق تماما على أسلوب  بعض الشخصيات الموريتانية  التي مرت بالحركات الإديولوجية ثم لم تعد مقتنعة بأفكارها القديمة و لا بفائدة  صيغ عملها التنظيمية... لكنها في ذات الوقت لا تريد أن تخسر ماضيها الإديولوجي بتخليها العلني عن أفكارها الإديولوجية. فتراها من جهة تسعى لخلق أحزاب ليبرالية  بضامين قبلية و جهوية و شرائحية  ... و من جهة ثانية ينظرون للإبقاء على  المرجعية الفكرية  و الخلفية الإديولوجية للأشخاص أو الجماعة المؤسسة لهذه الأحزاب لضبط العلاقات  و التحكم في سير و  وجهة هذه التشكيلات الهجينة!  لقد عشنا هذا الخلط ( أقرمبقجو  السياسي ) بين الأحزاب الليبرالية المتميعة من جهة و بين أحاديث القائمين عليها  عن الافتخار و التمجد بماضيهم الإديولوجي مع عناصر " بعثيين سابقين" لم يبق منكر في إديولوجية البعث إلا و نالوا منه  حظا وفيرا... و لم يمنعهم ذلك من الاحتفال بالسابع من نيسان و بأمجاد ثورة 17-30 يوليو التي فجرها حزب البعث في العراق تأجيجا لمشاعر و عواطف العوام المغفلين من البعثيين  !  و عشنا هذا التناقض الفاضح مع عناصر الحركة الوطنية الديموقراطية( ذات الخلفية الإديولوجية الماركسية)  الذين حلوا تنظيمهم الإديولوجي بإرادتهم  و أسسوا ، بكل وعي ، حزبا ليبراليا، على أنقاضه،  بأسلوب مفتوح بالأقصى  للقابائل و الإقطاعيين و التجار المرابين و الأثرياء من ريع السلطة  و الإداريين الفاسدين ... فدخلوا بأموالهم و جاههم  قبة البرلمان و تمثلوا بهم لدى الأنظمة و السفارات الدولية ... دون أن يحول ذلك ، بمناسبة و بغير مناسبة ،  بين استدعائهم للسفر النضالي المجيد لحركة الكادحين في سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي ؛ بل إنهم عملوا على استقطاب القبائل و التجار و أرباب المصارف و شيوخ القبائل و ملاك العبيد السابقين ... تحت هذا العنوان المفتوح و لكن المضبوط بخلفية رجال الكادحين ! و هكذا يفعل اليوم قيادات من التيار الإخواني. 
فلقد استدرجوا آلاف الشباب الموريتانيين إلى الانتساب لعقيدتهم السياسية  بشعارات الحركة الإسلامية و الصحوة الإسلامية... و أطروهم تأطيرا و تنظيما  تحت هذا العنوان:  أن كل الحركات السياسية و الإديولوجية من غير الإخوان المسلمين هي عقائد فاسدة.. حتى تحولت العقيدة الإخوانية إلى كراهية و مقت لمن ليس من الإخوان ! 
و ها هم  يريدون  اتباع ذات النهج القائم على الباب المفتوح على فسيفساء الأفكار و المسلكيات القويمة و المنحرفة بذات الوقت  في المجتمع ... مع الإبقاء على الخلفية الإديولوجية المعصومة لجماعة الإخوان المسلمون  هي الحاكمة و الناظمة لحزب تواصل ... و أن يتمذهب الداخلون إلى حزب  تواصل، بوعي أو بغير وعي،  بمذهب حسن البنا و سيد قطب ...  !   
باختصار، يريد هؤلاء الأشخاص الإديولوجيون ، بالماضي فقط( بعثيون، يساريون، إخوان ...) ، أن يأكلوا بيدين و يبلعوا ببلعومين، يد و بلعوم  من الماضي الإديولوجي، و يد و بلعوم من الحاضر الليبرالي ... و هذا ما أظهرت التجارب  فساده و استحالته مع " جماعة البعثيين القبليين  "  و" اليساريين الليبراليين"  فلا هم أبقوا على نقاوة ماضيهم الإديولوجي  و لا هم تمكنوا من خديعة القبائل و الإقطاعيين، فانحصروا في شكل البغل !
 فهل ينجح عناصر الإخوان المنفصلون عن التنظيم، فيما فشل فيه البعثيون و اليساريون،   من لعب دور النحلة التي تمتص رحيق أكثر من وردة ... لتعطي مشروبا لا ينتمي، لا لونا و لا طعما،  لأي منها  !!
الماضي و التجربة لا يسعفان بالتفاؤل...