بثّت “قناة 12” العبرية، منذ أيام، تقريرا يتحدث عن جاسوس لبناني عمل لصالح الاحتلال الصهيوني، اسمه وليد نقّوزي، وهو ضابط مخابرات لبناني عمل بجيش بلاده 12 سنة، لكنّ الاحتلال استطاع تجنيده بمبلغ زهيد لا يتجاوز الألف دولار قدّمته له “هدية للأولاد”، وقدّم هذا العميلُ الخائن معلوماتٍ حساسة عن الجيش اللبناني و”حزب الله”، وساهم في تحديد مكان عددٍ من المقاومين الذين سمّاهم “مخرّبين”، خلال حديثه مع القناة العبرية، ما أدى إلى قصف جيش الاحتلال لمكانهم بلبنان خلال عملية “عناقيد الغضب” في 1996، واستشهاد 18 منهم.
المثيرُ في شهادة هذا العميل الخائن، هو نهايتُه المريرة التي يستحقّها وأمثالُه من الذين يبيعون دينهم وأوطانهم بدراهم معدودات؛ فبعد أن تفطّن الاحتلالُ إلى اكتشاف أمره بلبنان سنة 1996، قرّر الاحتفاظ به في فلسطين المحتلة حتى لا يُقبض عليه في لبنان ويكشف لها معلومات مُهمّة عن كيفية عمل الاستخبارات الصهيونية، ثم همّشته وأهملته تماما، ما جعله يقول بمرارة: “لقد عصرتني إسرائيل كالليمونة، ثم رمتني في سلّة المهملات”.
تُذكّرنا هذه القصة بالمصير المخزي الذي لقيه المئاتُ من عناصر ما سُمّي “جيش لبنان الجنوبي” العميل للاحتلال الصهيوني، إذ كافأهم بإشباعهم ذلًّا وهوانًا حينما لجأوا إليه عقب تحرير جنوب لبنان في ماي 2000، وهناك من تحوّل إلى منظفٍ لحظائر الأبقار والخنازير، وهناك من أصبح يبيع الفلافل في أسواق تل أبيب، كما تُذكّرنا بما يُسمَّى “قرية العملاء” في النقب الفلسطيني المحتل، التي تضمّ مئات العملاء والجواسيس الفلسطينيين والعرب الذين كُشف أمرُهم، فهربوا إلى الكيان للنجاة بحياتهم، فلاقوا في هذه القرية التي تفتقر إلى أبسط صنوف الحياة، كلَّ صنوف الإذلال والتهميش والهوان، تماما مثلما حدث لعشرات الآلاف من خونة الثورة الجزائرية المعروفين باسم “الحركى”، الذين هربوا إلى فرنسا إثر توقيف إطلاق النار بالجزائر في 19 مارس 1962.
ما يفعله الاحتلالُ الصهيوني مع عملائه من تهميش وإذلال واحتقار، يفعله أيُّ احتلال في هذا العالم، ولعلّ الجميع يتذكّر تلك الصور المهينة لعشرات الأفغان، عملاء أمريكا، الذين كانوا يحاولون، عبثا، ركوب الطائرات الأمريكية مع “المارينز” في مطار كابول إثر انهيار الاحتلال الأمريكي ومعه حكومة أشرف غني العميلة، في أوت 2021، لكنّ “المارينز” رفضوا اصطحاب العملاء معهم، وأظهرت الصورُ كلابًا أمريكية وهي تجلس على مقاعد الدرجة الأولى في إحدى الطائرات، في حين كان بعضُ العملاء يتعلّقون بأجنحتها وعجلاتها قبل أن تُقلع الطائرة، ويسقطوا من الجوّ ويلقوا حتفهم. وحتى مصير بعض وزراء العميل أشرف غني كان الإهانة بعد عزّ؛ فقد أصبح وزيرُ ماليته مجرّد سائق سيارة أجرة يعمل لحساب شركةٍ خاصة بالولايات المتحدة لإطعام أطفاله الأربعة!
ومع ذلك، ينبغي أن نُقرّ بأنّ خيانات هؤلاء العملاء الأفراد هي أقلُّ ضررا على الأمة من خيانات حكام وملوكٍ عرب باعوا فلسطين للاحتلال وطبّعوا معه وأصبحوا أدواتٍ لصهْيَنة المنطقة، … ونحن متأكّدون أنّ قادة الاحتلال، وأشهرهم بن غفير وسموتريتش، يُبطنون لهم الكراهية الشديدة ويحتقرونهم في أعماقهم، وإن تظاهروا لهم بالودّ في لقاءاتهم، حرصا على استمرار وظيفتهم القذرة، ولو أسقطتهم شعوبُهم، لأدار لهم حكامُ الاحتلال ظهورهم بكلّ بساطة وتركوهم يُقذَفون في مزبلة التاريخ من دون أن يذرفوا عليهم دمعة واحدة.