تعتبر قضية العلاقة بين الحرية والمسؤولية، أو بين الحرية الفردية والنظام العام؛ من أهم القضايا المثارة في تاريخ الفكر السياسي والاجتماعي؛ حيث "إن حرية الإنسان تنتهي عندما تبدأ حرية إنسان آخر"؛ فنحن نعيش في مجتمع، وأحد الأركان الأساسية التي يستند إليها استقرار أي مجتمع هو وجود القوانين والأعراف والتقاليد التي تنظم العلاقات بين البشر، والتي تضمن الحقوق المتبادلة بينهم.. ومن ثم فإنه ليس من حق أحد أن يكون في ممارسته لحريته اغتصاب من او عدوان على حريات الآخري، و يرتبط بذلك العلاقة بين حق الفرد في ممارسة حريته من ناحية ومسؤوليته تجاه ما تعارف عليه المجتمع من قيم وأعراف وتقاليد, وهو ما يسمى عادة بالنظام العام من ناحية اخر؛ من ناحية ثانية.
فإذا كان من واجب المجتمع أن يوفر لأبنائه المناخ المناسب والبيئة التي تمكنه من ممارسة حريته كحق طبيعي؛ فإن على الفرد واجب ومسؤولية أن لا يكون في ممارسته لهذه الحرية خروج على ما يعتبره المجتمع مقدسات ومحرمات يجب احترامها..
وتحرص جميع الدول الحرة إلى تعزيز حرية الرأي والتعبير وحرية الاجتماع والتجمع وحمايتهما، وذلك ضمن حدود احترام الحريات الأساسية الأخرى، سواء على الإنترنت أو في الحياة الفعلية.
غير أن حرية التعبير على الإنترنت تُنتهك في العديد من البلدان، فحسب بعض الدراسات فإن واحدا من كل ثلاثة من مستخدمي الإنترنت في العالم لا ينتفع بالإنترنت بحرية من دون قيود.
وقد أسهم التطور التكنولوجي في ميدان الاتصال في تعزيز الحريات الإعلامية عبر فضاء واسع مفتوح.
إلا أن وسائل السيطرة والمراقبة تطورت هي الأخرى بصيغ مختلفة يصعب التحكم فيها مما خلق صحافة بديلة بلا حدود ولا قيود.
وسيظل الجدل بشأن الرقابة في الإعلام متواصلاً ويؤرق الكثيرين، إذ ليس هناك من حسم نهائي يضمن انتصار طرف على آخر، وإن كان منسوب أو حدة هذه الرقابة قد تراجعت كثيراً بفعل وسائط الإعلام الجديدة والمتجددة.
وهناك عوامل مستجدّة أدت إلى طرح الموضوع بإلحاح، ولاسيما مع تركز وسائل الإعلام في شركات ضخمة، وظهور المنافسة الشديدة، وتبعياتها للإعلان، الأمر الذي دفع بصحافيين إلى منحدر الصحافة السهلة، الديماغوجية، المبهرة والجذابة واللامسؤولة.
وطبعا لا يمكننا تعميم هذا الحكم؛ فهناك صحافة مهنية وصحفيون نزهاء، ومدونون محترمون وصادقون، غير أن تعقيدات واقع الإعلام الجديدة أعطت صورة نمطية تبدو سيئة ومضرة بصورة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي (الإعلام البديل).
وفي كل الأحوال؛ فقد مارست التقنيات الحديثة في ميدان الإعلام الرقمي والفضائيات ولا سيما ثورة الإنترنت، دوراً بارزاً في تطوير المهنة، وبالتالي زيادة الحاجة إلى ضوابط مهنية وأخلاقية لها.
ولعل من التحديات الكبرى في المجال ما يرتبط بحقوق الملكية الفكرية وبأهمية الإبداع والابتكار، بيد أن الثورة الرقمية تغير أنماط استهلاك الممتلكات الثقافية تغييراً جذرياً، بما أدّى تحديداً إلى تغيير النماذج الاقتصادية التي تدر دخلاً على المبدعين. والواقع أنه لا يمكن أن يكون ثمة اقتصاد رقمي مبدع وناجح وحيوي، وأن يزدهر من دون الالتزام الشديد بحماية حقوق الملكية الفكرية.
-ويعتبر الاحترام الفعلي للبيانات الشخصية وللخصوصية على الإنترنت أمراً أساسياً ومهما وضروريا من أجل كسب ثقة المستخدمين وضمان سلامتهم. ومن ثم فمن الضروري درء الأعمال التي تمثل انتهاكات لحق احترام الخصوصية (تخزين البيانات الشخصية بصورة غير شرعية والاستخدام التعسفي للبيانات والكشف عنها من دون إذن، وما إلى ذلك…من انتهاكات) مما أدى إلى فقد الأفراد السيطرة على بياناتهم الشخصية.
وبعيدا عن برمجيات المواقع وقوانين الدول والأنظمة والمصالح المشتركة بين المستفيدين سياسيا أو اقتصاديا، يعدّ المستخدم نفسه لهذه المواقع أحد أهم عناصر التقييم لمدى حقيقة هذه الحرية.
-لقد شاع في المجتمعات العربية على وجه التحديد عدم قدرة المستخدمين على التعايش في بيئة حرة كما ينبغي، والمتأمل لحال المستخدمين في مواقع التواصل الاجتماعي يرى أنها بيئة ملوثة لانتهاك الحريات والأعراض وليست بيئة حرة. فهناك سبّ وقذف مستمر بين الأطياف، ناهيك عن السخرية والتجسس على خصوصيات الناس ونشرها والتشهير بهم.
-ولا يمكن النظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي على أنها بيئة مثالية لممارسة الحرية، وإن كانت مساحة الحرية الافتراضية فيها أوسع من الواقعية التي نعيشها في بلادنا العربية التي عاشت حينا من الدهر تضييقا على الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان والإهانة في ظل أنظمة استبدادية تقوم على نظام “العقل الواحد”.
-ولكن المخالفات والتجاوزات المسيئة التي يمارسها البعض عبر وسائل الإعلام البديل، تطرح وتثير العديد من التساؤلات المشروعة بشأن إعادة هيكلة وتنظيم الفضاء الإلكتروني.
-ومن بين هذه الأسئلة: هل أصبحت هناك ضرورة لوجود جهة أو كيان أو كيانات جديدة لمراقبة ومتابعة ومعالجة كل ما هو مطروح عبر وسائل الإعلام” الجديد” بطريقة مناسبة وفي الوقت المطلوب، ومحاسبة كل من يتسبب في أي مخالفات أو تجاوزات؟ وإلى أي مدى يمكن تطبيق قانون طلب المواد المنشورة على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي؟ وما هي الأدوار الجديدة لوزارات الداخلية والإعلام والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بشأن وسائل الإعلام الجديد؟ وهل العقوبات والتشريعات الحالية بشأن إساءة استخدام المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي كافية لمعاقبة المخالفين وردع الآخرين؟
-لا أحد ينكر حاجة الدول إلى قوانين لمكافحة الإساءة إلى ثوابت الأمة المنصوص عليها في الدستور والتي هي من المقدسات وما يمكن أن نسميها "الرموز الثابتة" (الدين، الجمهورية، العلم، اللغة الخ....).
ولأن الكثير من الشباب بدأوا يسيؤون إلى دولهم وأمنهم الوطني ومجتمعاتهم، وإلى خصوصيات الأفراد بلا حدود.
-ولكن على هذه القوانين أن تراعي حقوق الإنسان والحريات وأن لا تستخدم حجة للقمع والاستبداد وتقييد الأفراد وانتهاك حقوق المواطنين التي هي أهم مكسب حققناه منذ سنوات عانت فيه موريتانيا من القمع وتكميم الأفواه وعسكرة الحكم والنظام والحزب الواحد وحزب الدولة ودولة الحزب .
إن حرية وكرامة الإنسان مبدأ لا يقبل المساس وهبة وعطاء من الله سبحانه للإنسانية جمعاء.
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}. صدق الله العظيم