-لاشك أن موضوع أضحية العيد، محسوم فيه من الناحية الشرعية باتفاق العلماء. لكن قدرنا أن يتجدد الخوض في الموضوع بشكل مستمر في كل مناسبة عيد الاضحي المبارك ينتصر البعد المادي في المسألة، بروح سلبية فيها كثير من المغالاةوالتطرف والتفريط.
و قد نكون من أكثر المجتمعات التي تتناول الموضوع بطريقة تواصلية بعيدة عن "الجوهر الديني" الذي يحث على التدبر و الصبر و العطاء والفرح. و هنا، لابد من طرح أسئلة من باب التذكير و التنبيه: وللذكرى "( وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ)
- هل يوجد شيء ايها الفقهاء
يلزم المسلم بشراء أضحية العيد، إذا كان ثمنها يتجاوز إمكانياته و ظروفه المادية ؟؟.
- هل يعتبر "ذبح الأضحية" فرض عين على كل مسلم، وممارسته واجبة لا يتم الدين إلا بها، وهل يجب على كل مسلم القيام بها حتى يتم تدينه...؟؟؟
- من الناحية الشرعية الصرفة، أليس قيام ولي الأمر بذبح أضحية العيد نيابة عن أبناء الأمة، كاف و فيه تمام الأجر و الثواب الحسن للجميع؟ بالتأكيد، نعم...
- ألم يضحي من بعث رحمة للعالمين صلوات الله وسلامه عليه بكبشين واحد عن آل بيته والآخر عن امته
عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه آله وسلم - (كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين فذبح أحدهما عن محمد وآل محمد والآخر عن أمته من شهد لله بالتوحيد وله بالبلاغ)
- لماذا، إذن، كل هذه "الجعجعة" الجارية منذ شهر، بخصوص موضوع شراء أضحية العيد، وما معنى ما نراه من شكاوى من ارتفاع أسعار الاكباش التي يخوض فيها الجميع ائمة وفقهاء ومثقفين ومفكرين والمألفة قلوبهم.....
، بينما المسلم معفي إذا لم يتوفر له ثمن الأضحية؟
- لماذا يصر غالبية المدونين والمواقع الإلكترونية و القنوات الفضائية، في اعداد الروبورتاجات من الأسواق، مع تركيز المواضيع حول أثمنة الأضحية، شكلها و وزنها و نوع فصيلتها، وعيوبها الخ.. و يهملون الجانب الآخر "الاهم"والانفع تذكير الناس بأن جوهر شعيرة عيد الأضحى لتي تكمن في قيم التضامن و التضحية، و الصبر على كل حال، وتطبيق اوامر الله و إلاكثار من العطاء للفقراء و الأيتام والمحرومين..وابن السبيل. والمشردين من المسلمين بسبب المجاعة والمرض والفتن...؟؟
- لماذا يغفل هل الذكر والفكر من أمتنا عن القيم الاسلامية الإنسانية السامية التي لأجلها يحتفل المسلمون بعيد الأضحى
ويركزون علي برامج ومحاضرات وكتابات تدفع تفكير الناس نحو الشق المادي المرتبط بالاضحية ولحوم الأضاحي؟
- لماذا نضيع، جهودنا واهتماماتنا الفكريةكل سنة،و أسابيع وأيام في كثرة "الثرثرة" بشأن مسألة محلولة على أساس ديني واضح، ملخصها بلسان عربي مبين "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" ...؟وفسرها حبر الامة ابن عباس رضي الله:
قوله: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " قال: هم المؤمنون، وسع الله عليهم أمر دينهم، فقال الله جل ثناؤه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ..)
- لماذا لا يتم التركيز على تذكير المواطنين المسلمين بأن عيد الأضحى هو فرصة سنوية رائعة ليسارع الأغنياء بمساعدة المحتاجين و الأرامل و الأيتام و الفقراء، إما بدعمهم جزئيا لشراء أضاحي، أو بتقاسم لحوم الأضحية عبر تعاونيات تضامنية متعددة، يمكن أن تتم مباشرة في الأحياء السكنية العشوائية ، عبر جمعيات خيرية تدعم الأسر لتي تعيش في وضعيات هشة معلومة ومشهودة؟
لقد عانت بلادنامن وضعيات صعبة وازمات منذ ازمة كورونا ومخلفاتها، عانت فيها الأسر، من ارتفاع الأسعار، و استمرت أولويات متنوعة يفرضها الواقع (مصاريف المعاش -الصحة / مصاريف المدرسة /واقع ضعف الدخل والقيمة الشرائية و واجبات مختلفة....)، تحتاج منا أن نركز تواصلنا حولها، وان نتخلي عن ترويج ثقافة استهلاكية أفرغت شعيرة "عيد الأضحى من قيمها ورمزيتها، و ركزت التفكير على "الأضحية"، و زادت من الضغوط الاستيراد الماشية، حتى وصلنا إلى دعم مستوردين مفترضين، رغم أننا نعلم أن ما سيستوردونه لن يؤثر في مستوى أسعار المواشي إذا استمر عبث المضاربين و السماسرة و"تبتابة" في الأسواق.
في رأيي: ولاادعي الفقه، انه من الناحية الشرعية، من استطاع إلى شراء الأضحية سبيلا، الله يبارك له في هذه السنة الحميدة ، وهنيئا له تأدية الشعيرة و أكل أضحيته.
و من لم يستطع توفير ثمن شراء أضحية العيد، بإمكانه أن يسعى للأجر و الثواب من أبواب أخرى و لا حرج عليه.
أما من الناحية الاقتصادية، إذا كانت أسعار أضحية العيد مرتفعة وسيأثر ذلك في مستوى الطلب، أكيد سيكون ذلك إيجابي، لأنه يوفر عرضا كافيا من رؤوس الأغنام، خلال الأشهر القادمة من السنة، ونحافظ بذلك على استقرار ثمن اللحوم. في السوق طيلة السنة خصوصا اننا من اكثرالدول الاسلامية استهلاكا للحوم الحمراء
وما من شك أن التركيز على موضوع الأسعار ،مرتبط بهشاشة الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي لا حل له سوى تسير معقلن وبتدابير وسياسات عمومية وبرامج هادفة، تمكن من تطوير نسبة النمو وخلق فرص تشغيل اكثر.
والرجوع الي المفاهيم الأخلاقية والعودةالي قيم التضامن المجتمعي التي توحد المسلمين حول الأهم الذي هو أن عيد الأضحى الذي أكبر من مجرد ذبح "شاة".
وغرس ثقافة التضامن والايثار "(ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) .
والحل لهذه المعضلة متيسر وبسيط :ان تجتمع أسر كثيرة، في الأحياء و القرى، لتحضر ذبح أضحية واحدة، يتقاسم الجميع ما تيسر من لحمها، و هم سعداء لأنهم نجحوا في تدبير إمكانياتهم المحدودة، بشكل تضامني يعين على استدامة القدرة على الصمود أمام اامشاكل الاقتصاديةو الواقع المعبيشي.
-إن تعقد الوضع الاقتصادي في العالم وازدياد المشاكل بسبب سطوة ليبراليةمتوحشة عنيفة تتقوى حدتها.
يجب أن يدفعناذالك إلى استلهام "القيم" التي تنبعث من ديننا الاسلامي وأصالة مجتمعنا المسلم، بما فيها من عادات وقيم نبيلة تحث على النبل الإنساني و زرع الروح الطيبة بين الناس، بما يمكن أن يعيننا على الصمود الجماعي حتى تظل الدولة قوية و يصير المجتمع أقوى. لذلك، من الحكمة تركيز الجهود لإيجاد حلول للمشاكل والتحديات الكثيرة المطروحة،وان تبتعد مؤسسات التوجيه عندنا( الإعلام والموقع والكتاب وصناع القرار اجتماعية اودينية ...عن تأزيم الوضع النفسي للأسر بسبب عيد الأضحى الذي يريد البعض اختزاله في "شراء خروف"، بينما لم تكن "الأضحية" يوما هي المنتهى والمأمول من امة تدين بدين وسطي لا افراط ولا تفريط فيه شرع دينه الأعياد
لحكم سامية ولمقاصد عالية، فالعيد فرصة للفرح ولتقوية الروابط الاجتماعية، وتجديد قيمة التواصي بالحق والتواصي بالمرحمة.
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ}