تشهد الساحة السياسية في مقاطعة شنقيط نشاطا محموما وغير معتاد منذ عدة أشهر استعدادا للانتخابات العامة المقبلة مطلع العام 2023.
وعلى غير العادة أظهر السكان والناشطون السياسيون اهتماما مبكرا بهذه الاستحقاقات؛ حيث برزت دعوات متتالية ومتواصلة تطالب بأن تكون الانتخابات القادمة بداية قطيعة نهائية مع بعض الممارسات والقرارات غير المناسبة وغير المقبولة، وأن تشكل فرصة حقيقية للاستماع لصوت الناخب ورأيه قبل إعلان أي ترشيح لأي مقعد انتخابي؛ ضمانا لتحقيق التغيير المنشود والتوقف عن اجترار الماضي وإعادة إنتاج أخطائه وما رافقها من تجاهل إرادة الناخب وآمال المواطن، ومن سد لأبواب المشاركة أمامه؛ فضلا عن إغلاق منافذ الأمل في إنهاء سياسة احتكار المسؤوليات العامة سواء كانت إدارية أو انتخابية وسد باب الولوج إليها أمام الكثير من مستحقي توليها على أساس الكفاءة والنزاهة أولا؛ وعلى أساس احترام الإرادة الحقيقية للمواطنين والناخبين؛ ثانيا.
وقد وجه هذا الحراك أنظاره صوب حزب الإنصاف الحاكم، معلنا دعمه للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ولبرنامجه الانتخابي ولسياساته العامة، وللحزب الحاكم الذي يقول أعضاء هذا الحراك إنهم واثقون في أنه أصبح حزبا حاكما مختلفا عن جميع الأحزاب الحاكمة السابقة؛ وذلك بحكم التزامه ببرامج وخيارات وتوجيهات رئيس الجمهورية، وبأنه سيكون اسما على مسمى، وسينصف كل الموريتانيين وليس فقط سكان مدينة شنقيط وحدها، وأنه حتما سيحقق التغيير المنشود، وستعانق قراراته وترشيحاته آمال الناس وطموحاتهم وأحلامهم.. حسب قول أصحاب هذا الحراك.
وفي هذا الإطار ظهر منذ أسابيع حراك يحمل شعار "المبادرة الكبرى لدعم التغيير في شنقيط"؛ والتي أعلنت مطالبتها بترشيح الناشط الجمعوي إسلم ولد الحنفي رئيس جمعية تنمية آبير والرئيس المؤسس لبنك الغذاء الموريتاني من أجل تولي مقعد نائب المقاطعة.
"ميثاق" التقت بأحد أبرز قادة ومؤسسي هذا الحراك وهو الإعلامي والمهندس المتميز أحمد ولد أعمر؛ حيث حاورته حول حقيقة هذا الحراك، وماذا وراء قيامه، وما هي أهدافه، وعلى أي أساس اختار شخصا محددا كي يطالب بترشيحه دون غيره لمقعد نائب مقاطعة شنقيط.
وهذا نص الحوار:
--"ميثاق": الأخ المهندس أحمد ولد أعمر؛ أهلا بكم، وشكرا لكم على تلبية طلبنا بإجراء هذه المقابلة مع وكالة "ميثاق" الإخبارية.
--أحمد ولد أعمر: أهلا وسهلا بكم وبوكالة "ميثاق" وبموقعها الإخباري المسؤول.. وشكرا لكم على الاهتمام بهذا الموضوع الوطني الهام، وكذا الاهتمام بمدينة شنقيط التاريخية وشؤونها وبشؤون الوطن والمواطنين جميعا.
--"ميثاق": بداية، ما هذا الحراك الذي ظهر فجأة في مقاطعتكم بهذه القوة وهذا الزخم المتنامي والتوسع السريع لمنتسبيه داخل المقاطعة وحتى خارجها؟
--أحمد ولد أعمر: حسنا؛ أولا الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات.. وتبارك الله رب العالمين (يضحك)..
هذا الحراك عبارة عن رأي وفهم وأمل بدأ صغيرا وبشكل عفوي؛ ثم ظل ينمو ويكبر ويتوسع حتى بلغ مبلغه؛ وهو في توسع وانتشار ونمو إن شاء الله.
قد يكون سبب سؤالكم هو أنكم لم تروا حراكا مثله قبل أي استحقاق انتخابي منذ بداية العهد الديموقراطي في بلادنا وحتى الآن.. لكن (كما يقال) "إذا عرف السبب بطل العجب"..
أعتقد أنه لم يعد سرا أن المواطنين الموريتانيين جميعا قد أصابهم الإحباط من قيمة وأهمية ونتيجة العملية الديموقراطية كلها بسبب تراكمات كثيرة قد لا يتسع المجال لذكرها الآن؛ وربما أيضا لا أحد يجهلها أو ينتظر من يحدثه عنها.
لكنه منذ انتخاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني؛ شعر الناس أن السياسة أصبح لها معنى، وأصبحت تحكمها قيم أخلاقية، ومثل وطنية، وأصبحت لها أهداف غير عبثية، بل أهداف تنموية جادة، ولم تعد مجرد لعبة يتلهى بها الناس دون أن يكسبوا منها شيئا، أو يفرضوا بواسطتها خيارا أو رأيا، أو يحققوا من خلالها مطلبا أو هدفا..
إن وصول رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني للسلطة، كان أهم شيء فتح الأمل أمام الناس وجعلهم يستعيدون روح الاهتمام بالسياسة وبالشأن العام..
هذا على المستوى الوطني.. أما على المستوى المحلي؛ فقد كان ظهور الأخ اسلم ولد الحنفي في شنقيط؛ عنصرا حاسما في دفع كثير من سكان المقاطعة للتعلق بهذا الرجل، ولربط الأمل به؛ فقرروا أن لا يفرطوا في هذا الأمل وأن لا يترددوا في الضغط عليه هو أولا حتى يقبل لهم الترشح لمقعد نائب المقاطعة، ثم التوجه لحزب الإنصاف مطالبين بترشيحه؛ لأن في ذلك إنصافهم وإنصاف مقاطعتهم.
--"ميثاق": كيف؟ لم أفهم!! إسلم ولد الحنفي مجرد واحد من أبناء المقاطعة؛ فما الفرق بينه وبين الآخرين؟
--أحمد ولد أعمر: صحيح إسلم ولد الحنفي مجرد واحد من أبناء مدينة شنقيط التاريخية، وتحديدا من المدينة الأم والأصل: آبير... لكن ثمة بعض التفاصيل الحاسمة أرجو أن تسمحوا لي بتوضيحها لكم ولقرائكم الكرام أيضا..
--"ميثاق": بكل سرور؛ تفضلوا:
--أحمد ولد أعمر: لقد أعطى الأخ اسلم همه ووقته لممارسة العمل الجمعوي والعمل الخيري؛ فنشط فيه منذ سنوات؛ ونجح وأبدع، وقد عرفه الناس في أنحاء متباعدة من موريتانيا فاعلا تنمويا ناجحا، حيث استفاد من نشاطه التطوعي كثيرون في مجالات مختلفة عونا غذائيا للفقراء والمسحوقين؛ ومؤازرة صحية للمرضى والمحتاجين، ورعاية بيطرية وتنموية للمنمين والفلاحين، وتكوينا في مجالات علمية مختلفة لكثير من الشباب والعاطلين.
وقد بلغ الرجل أوج تألقه ونجاحه بتأسيسه لبنك الغذاء الموريتاني الذي شكل دعما نوعيا فريدا للمجهود التنموي العام في البلد، الحكومي منه وغير الحكومي، فاستفاد آلاف الأسر من ألوف السلال الغذائية ومن أشكال الدعم المختلفة، ليس في مقاطعة شنقيط وحدها، بل في ولاية آدرار كلها، وفي أنحاء مختلفة من البلاد، وحتى في بعض دول الجوار الإفريقي..
في ظل هذا النجاح منقطع النظير بفضل الله تعالى وبفضل عصامية الرجل وقوة إرادته؛ فضلا عن الوازع الأخلاقي الكبير الذي حباه الله به فحبب إليه فعل الخير والعطف على الناس والرأفة بهم.. في ظل هذا النجاح الكبير لم ينس مرشحنا أهله ومدينته التي نيطت بها تمائمه وكانت أول أرض مس جلده ترابها؛ فانتقل مباشرة من العاصمة نواكشوط؛ ليس فقط ليقيم في شنقيط بشكل دائم؛ بل أيضا ليحول إليها مكاتبه وليجعلها المركز والمحل الرسمي لكل نشاطه الخيري، وهو تصرف نبيل وفريد يصعب أن يفعله غيره من أبناء هذا الوطن الذين كلما حقق أحدهم نجاحا في الحياة؛ ازداد هروبا وبعدا عن فقراء الناس وعن صغار المدن، واختار حيا راقيا في العاصمة على أمل أن تزداد ظروفه تحسنا فيهجر العاصمة نفسها ويتغرب في مطاردة بشعة لشهوات نفسه وأهوائها غير عابئ بأهل ولا بوطن.
هذه بعض الأسباب التي دفعت هذا الحراك لمطالبة الأخ إسلم بالترشح؛ ومطالبة الحزب بترشيحه؛ تقديرا للرجل أولا، والأهم من ذلك طمأنة للناخب وتطييبا لضميره حين يدلي بصوته؛ لأن من يخدم البلاد والعباد من تلقاء نفسه ودون أن يطلبها منه أحد؛ فمن باب تحصيل الحاصل أن خدمته ستكون أكبر حين تتحول تلك الخدمة إلى واجب عيني متحقق عليه بسبب مضمون العقد القائم بينه وبين الناخبين الذين سينتخبونه.
باختصار لقد اختار مئات الناشطين من مقاطعة شنقيط ترشيح الأخ اسلم لأسباب عديدة بعضها مرتبط بأخلاقه وحلو معاشرته للناس، وبعضها متعلق بكفاءته وحسن سيرته، وبعضها متعلق برغبة الناس في التغيير والخروج من خناق رتابة الحالة السياسية الجامدة دون منطق ولا سبب معقول، هذا فضلا عن ملائمة هذا الترشيح للحالة السياسية سواء على المستوى المحلي أو على مستوى حزب الإنصاف نفسه.
--"ميثاق": ماذا تقصدون بملائمة هذا الترشيح للحالة السياسية؟
--أحمد ولد أعمر: بارك الله فيكم وفي سؤالكم.. فعلا لقد كان علي أن أشرح ذلك..
كما أشرت سابقا؛ فإن الممارسة الديموقراطية في بلادنا رافقها الكثير من الشوائب والعيوب؛ منها على سبيل المثال أنها تحولت إلى وسيلة لإثارة الصراعات العقيمة والنزاعات والعصبيات؛ في ظل انسداد آفاق التداول السلمي عبر هذه الآلية؛ وقد ورثت البلاد عن هذه الممارسة الكثير من الصراعات والحساسيات التي تحتاج فترة من الزمن لتجاوزها من خلال "تخليق" الحياة والممارسة السياسيتين الذي دعا ويدعو إليه فخامة رئيس الجمهورية.
وما خلفته تلك الأخطاء من حساسيات في مختلف مناطق البلاد؛ كان لنا منها نصيب في شنقيط، لكن الأخ إسلم لم يتدخل في الشأن السياسي للمقاطعة أبدا، ولم يمارس فيها إلا العمل الخيري؛ لذلك هو ليس طرفا في أي صراع محلي، ولا مشكلة له مع أحد؛ حيث يحتفظ بذات المسافة من جميع أطراف النشاط السياسي هنا، وهو شخص يحترم الجميع ويحترمه الجميع؛ لذلك فإننا نرى فيه رجل إجماع وهدوء وانسجام، ونثق في أن ترشيحه يخدم سكان المقاطعة من هذه الزاوية أيضا، كما يخدم حزب الإنصاف الذي لا شك أنه حريص على تماسك جبهته الداخلية وعلى وحدة وتفاهم وانسجام ناخبيه.
--"ميثاق": لكن هناك مترشحون آخرون للمنصب؛ فلماذا لم تؤيدوا أحدهم؟
--أحمد ولد أعمر: حسنا.. أولا أنت لا تستطيع أن تؤيد إلا مرشحا واحدا؛ فلا تكون وجاهة كبرى لسؤالكم لماذا لا نؤيد غيره، بل السؤال الموضوعي هو: لماذا نؤيد هذا الشخص تحديدا؟ وأعتقد أنني أجبت على هذا السؤال بوضوح.
لكن اسمحوا لي أن أوضح أننا لا نكن لباقي المترشحين إلا التقدير والاحترام، ولسنا في وارد تقييم أي واحد منهم لا إيجابا ولا سلبا، فكلنا نعرف بعضنا، ولكنه صار لزاما علينا أن نقدم مرشحنا للناس ونشرح لهم أسباب دعمنا له، وهي باختصار:
-- الرغبة المشروعة في التغيير وفي حلحلة الحالة السياسية الجامدة جمودا لا صحيا، والحاجة لاستعادة الأمل في المستقبل وفي تطوير الممارسة السياسية وفي تثمين العملية الديموقراطية وجعل نتائجها أكثر إيجابية سواء على مستوى احترام خيارات المواطنين والناخبين؛ أو على مستوى الأداء والإنجاز المنتظر ممن يتم انتخابهم.
هذا كل شيء..
--"ميثاق": يبدو مرشحكم فاعلا تنمويا ناجحا؛ فلماذا لا يترشح لمقعد عمدة البلدية بدل نائب المقاطعة؟
--أحمد ولد أعمر: أولا: نحن ما جئنا لنفسد الأرض؛ وهناك خصوصية تميز حالة مقاطعتنا؛ ويجب على كل حريص على وحدة ساكنتها أن يحترم مواضعاتهم القارة ماداموا ملتزمين بها ولا يرغبون في تغييرها؛ فنحن دعوة لتوحيد الصف لا لتشتيته، ولتقوية اللحمة لا لإضعافها.
وثانيا؛ الأخ اسلم لم يكن يريد الترشح ولا يرغب فيه؛ فهو مرتاح لحياته ولنشاطه الخيري ومقتنع به وبجدواه الوطنية، وقد طلب منه أن يترشح لمقعد انتخابي في المقاطعة؛ وكان أول من طالب بذلك ناشطون في المجتمع المدني، ثم ظلت دائرة المطالبين تتسع إلى أن قبل بها إسلم مبدئيا وعلى شرطين منه أولهما أن يكون مرشحا لمقعد نائب المقاطعة، وثانيهما أن يترشح من حزب الإنصاف.
--"ميثاق": ماذا لو لم يقم حزب الإنصاف باختيار مرشحكم؟
--أحمد ولد أعمر: "إياكم ولو؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان"..
لماذا نفترض البعيد بدل القريب، ونتوقع غير المعقول بدل المعقول والمنصف والمنطقي؟؟ تفاءلوا خيرا تجدوه، ولا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو الخير؛ أي التشاؤم غير الوارد وغير المنطقي بالتفاؤل المشروع والموضوعي.
بالتأكيد أن قرار الترشيح بيد الحزب؛ وحتى الآن لا أحد يعرف من سيكون المرشح إلا حزب الإنصاف وقادته الذين لا يستطيع أن يلزمهم أحد بشيء؛ أما نحن فنستطيع فقط أن نعبر عن رأينا، وأن نثق في الحزب الذي جعل "الإنصاف" خياره وشعاره، وأكد حرصه على الاستماع لرأي مناضليه والتعاطي الإيجابي مع طموحاتهم المشروعة.. بل ومع طموحات آمال كل الموريتانيين..
لذلك نحن في الانتظار.. لكن ثقتنا في الله أولا؛ وفي الإنصاف ثانيا؛ وفي مشروعية مطلبنا وقوة الأسس التي بنيت عليها... كل ذلك يمنحنا كثيرا من راحة البال وراحة الضمير ومن القدرة على الثقة في المستقبل.
--"ميثاق": شكرا جزيلا الأخ أحمد على سعة صدركم وعلى ما منحتم لنا من ثمين وقتكم؛ نسأله تعالى أن يوفقكم ويوفق كل أبناء هذا البلد لما فيه خير الجميع؛ إنه يعلم ولا نعلم وهو علام الغيوب.
--أحمد ولد أعمر: بارك الله فيكم ووفقكم لما يحبه يرضاه.