لماذا كان بوتين الأكثر سعادةً بسُقوط بوريس جونسون “الدّيمقراطي” المُهين؟

8 يوليو, 2022 - 12:32

لماذا كان بوتين الأكثر سعادةً بسُقوط بوريس جونسون “الدّيمقراطي” المُهين؟ وكيف كانت لعنة أوكرانيا من أبرز أسباب هذا السّقوط؟ ومن سيكون الضحيّة التالية؟ وهل البديل القادم أفضل حَظًّا؟

كتب عبد الباري عطوان في "راي اليوم":

السُّقوط المُهين لبوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني سَيهبِط بردًا وسلامًا على قلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحُلفائه في الصين والهند وإيران، لأنّ هذا الرّجل كانَ رجل أمريكا، والحليف الأكبر لها، وأكثر الزّعماء الأوروبيين حماسًا للحرب في أوكرانيا، ودعمًا لرئيسها فولوديمير زيلينسكي، لدرجةِ أنّ القِيادة العسكريّة الروسيّة هدّدت بأنّ لندن ستكون العاصمة الأولى التي قد تتعرّض لقصف بالصّواريخ الروسيّة “كينجال” الأسرع من الصّوت، والمُحمّلة برُؤوسٍ نوويّة بوزن 10 أطنان، في حالِ اتّساع دائرة الحرب، ولهذا لم تُفاجئنا تغريدة ديميتري ميديفيدف الرئيس الروسي السّابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، التي قال فيها “إنّ أفضل أصدقاء أوكرانيا يُغادرون، ونحن في انتظارِ أنباءٍ مُماثلة من ألمانيا وبولندا ودول البلطيق”.

***

دولة الاحتِلال الاسرائيلي ستكون في حالةِ حدادٍ أيضًا لخُروج “صديقها” الأبرز من السّلطة البريطانيّة وبهذا الشّكل المُهين، فقد أيّد جميع حُروبها في قِطاع غزّة، وكان من أشدّ الزّعماء الأوروبيين دعمًا لصفقة القرن واتّفاقات “سلام أبراهام” ولا ننسى زيارته لكُل من السعوديّة والإمارات مبعوثًا من بايدن لإقناع قيادتيهما بالتّجاوب سريعًا مع طلبات الرئيس الأمريكي جو بايدن بالتّخلي عن اتّفاق “أوبك بلس” مع روسيا وزيادة الإنتاج النّفطي لتخفيض الأسعار، ولإنقاذ الاقتِصاد الغربي، وإضعاف الاقتصاد الروسي في المُقابل، والانضمام إلى سِلاح المُقاطعة ضدّ موسكو، وكان لافتًا أن جُهوده هذه باءت بالفشَل، وعادَ إلى لندن مُطأطِئ رأسه وخالي الوفاض.

أعترف أنّني لم أُطِق هذا الرّجل مُنذ اليوم الأوّل لصُعوده السّريع إلى مِقعد القِيادة، ليس لأنّه هزم الصّديق كين ليفنغستون عُمدة لندن اليساري الدّاعم للقضيّة الفِلسطينيّة العادلة، والمُعارض الشّرس للغزو الأمريكي للعِراق وأخذ مكانه، وإنّما أيضًا لأنّه قاد حملة خُروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبي (البريكست) مُتَّبِعًا كُل أساليب الكذب والدّجل تنفيذًا لمُخَطَّط اليمين العُنصري الأمريكي بزعامة دونالد ترامب وأمثاله، لإضعاف أوروبا وتفتيتها.

وزير خارجيّة عربي التقى جونسون أكثر من مرّةٍ أعرب عن استِغرابه لوصوله لتولّي حقيبة وزارة الخارجيّة ومن ثمّ رئاسة الحُكومة، لمَحدوديّة معرفته بالقضايا الدوليّة، وعندما طلب تفسيري أجبته “فتّش عن اللّوبي الأمريكي والإسرائيلي ودورهما القويّ والخفي في السّياسة البريطانيّة”.

عهد جونسون كان مليئًا بالإخفاقات والفضائح الجنسيّة، إخفاقات على الصّعيد الاقتصادي حيث وصلت مُعدّلات التضخّم إلى 10 بالمِئة وهي أعلى نسبة مُنذ 40 عامًا، وانخِفاض قيمة الجنيه الإسترليني مُقابل العُملات الأوروبيّة الأُخرى وحتى الروسيّة والصينيّة، وانهِيار قِطاع الخدمات العامّة والصحيّة منها على وجه الخُصوص، وارتفاع أسعار الوقود والغذاء، في بلدٍ كانت تُعتَبر مضرب المثل، ولهذا ليس غريبًا أن ينقلب عليه مُعظم وزرائه وحُلفائه في الحزب الحاكم وانعكس ذلك في استِقالة أكثر من 52 وَزيرًا ومَسؤولًا كَبيرًا في حُكومته في أقل من 24 ساعة، وهي ظاهرة غير مسبوقة في السّياسة البريطانيّة.

جونسون سيُغادر منصبه في الخريف المُقبل ريثما يتم انتخاب بديله تاركًا بلاده تُواجه مُسَلْسَلًا من الانتكاسات والإخفاقات المحليّة والدوليّة والسّبب في ذلك سِياساته قصيرة النّظر، والتبعيّة العمياء للولايات المتحدة الأمريكيّة، والعداء للقارّة الأوروبيّة، علاوةً على توريطها، أيّ بريطانيا، في حربٍ خاسرة (حتّى الآن) ضدّ روسيا، بِما أدّى إلى استِنزاف الخزينة البريطانيّة المُنهكة من خِلال ضخّ مِليار دولار دُفعةً واحدة في الحرب الأوكرانيّة، غير صفقات الأسلحة الأُخرى، في وَقتٍ يُلغي فيه البوليس البريطاني “حدّ الحرابة”، أيّ مُعاقبة اللّصوص الذين يسرقون الطّعام من الأسواق و”السّوبر ماركت”، بسبب ارتفاع مُعدّلات الفقر والجُوع في البِلاد.

***

إقالة جونسون من رئاسة الوزراء ولا نقول استِقالة، كانت من الأخبار المُفرحة للغالبيّة السّاحقة من البريطانيين، وربّما للأوروبيين أيضًا، فقد كشفت استطلاعات الرأي أنّ 72 بالمِئة من البريطانيين يُريدون رحيله، وهذا لا يعني وجود أيّ ضمانات بأنّ خصمه يُمكن أن يكون أفضل، ولكنّه لن يكون أكثر سُوءًا قطعًا.

الحرب الأوكرانيّة التي فرضها الرئيس بايدن على أوروبا ستُغيّر العالم بأسْرِه، وقد تكون بداية النّهاية للهيمنة الغربيّة على العالم التي استمرّت لما يَقرُب القرن، وما بعد هذه الحرب لن يكون مِثل ما قبلها، خاصَّةً بالنّسبة إلى دول الاستِعمار القديم، الذي بدأت عُملاته في التّراجع (اليورو والإسترليني في أسوأ حالاتهما حاليًّا وسيلحقهما الدولار حتمًا)، بينما يستعدّ العالم لاستِقبال نظام مالي جديد هو حصيلة سلّة عُملات لدول “البريكس” (روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا).

جونسون هو الحجر الأوّل في بداية سُقوط منظومة أحجار الدومينو الغربيّة، والأشهر والسّنوات المُقبلة قد تكون حافلة بالمُفاجآت.. والأيّام بيننا.