إلهام أول فتاة موريتانية تبدع في تصاميم فنية بمادة "الريزن"

6 فبراير, 2022 - 09:37

من داخل بيت أهلها في العاصمة الموريتانية نواكشوط، استطاعت الفنانة التشكيلية الشابة إلهام محمد أن تطلق بوسائل بدائية مشروعها الصغير لصنع تصاميم فنية مبتكرة وإنتاج أعمال نحتية ولوحات جميلة من مادة "الريزن".

وتحدت إلهام كل العقبات من أجل أن تعتمد على ذاتها، وتوفر لنفسها ولأسرتها دخلا ماديا معتبرا من خلال هذا المشروع، مخالفة كل الأعراف المجتمعية داخل محيطها المقيدة لحرية المرأة.

فالعادات العرفية التقليدية عند الأهالي هنا لا تسمح للمرأة الموريتانية أن تقتحم النشاطات الاقتصادية الكبرى، ودائما ما تسعى الأمهات لتعليم بناتهن مهارات التدبير المنزلي كالطهي وإعداد الشاي ومهارات التنظيف.

ورغم انتمائها لأسرة محافظة فإنها أصرت على أن تحتل مكانا بين المبدعين في مجال التصميم الحديث، ومن خلال مادة "الريزن" وفرت تصاميم مبتكرة لزبائنها حسب الطلب من داخل غرفتها الصغيرة، واستغلت صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي لترويج منتجاتها، واتخذتها نافذة تطل منها على

مهنة بالصدفة

لم تكن الفتاة الحاصلة على شهادة "التقنية في المحاسبة والتسيير" على موعد مع مهنتها الجديدة حين كانت تتجول في عالم الإنستغرام قبل نحو سنتين، وتحكي إلهام للجزيرة نت كيف كانت الصدفة، فتقول "فجأة شاهدت صحفية على الإنستغرام تروج منتجات من الريزن، أعجبتني جدا ولم أكن حينها أعرف عنه شيئا، ولكنني فكرت فيه كمشروع تصاميم يمكنه أن يوفر لي دخلا من المنزل، وصرت أبحث في الإنترنت وأشاهد الفيديوهات التعليمية إلى أن تعرفت عليه وقررت البدء في العمل".

وحين سألناها لماذا الريزن بالتحديد؟ تقول إلهام كل المصممات في الريزن في العالم اليوم هن أصلا فنانات تشكيليات ويتقن الرسم، وقد كان الرسم هوايتي منذ الصغر، وهو مرتبط نوعا ما بالتصميم بالريزن، هذا الارتباط جعلني أميل إليه كثيرا، ولهذا اخترته ليكون أساس عملي لأنه جزء من هوايتي.

وتضيف "ما رغبني فيه صلابته ومقاومته للاحتكاك وحفظه للوحات الفنية التشكيلية وعزلها ومنعها من التلف".

وفي فترة وجيزة تحولت الفنانة إلى مصممة في هذا المجال، وأصبحت الآن توفر منتجات متنوعة، مثل ميداليات للمفاتيح بأسماء أصحابها، ولوحات فنية للديكور وتزيين الجدران، وصواني للاستعمال المنزلي وتقديم البخور، وقطع لمناسبات الأعياد والميلاد، وتصاميم أخرى بحسب الطلب.

تحديات وصعوبات

تحديات كثيرة اعترضت إلهام في السابق، وأخرى ما تزال حتى الآن تعاني منها، ففي البداية لم تكن الأسرة مقتنعة بمشروعها، ولكن مع مرور الوقت تغير الوضع وتقبلتها الأسرة، بل وشجعتها كثيرا، وكان ذلك حافزا لها على الاستمرار والمضي قدما.

تقول إلهام "مع الوقت صار الأهل يفتخرون بي بعد أن أصبحت تتوافد عليّ الطلبات، وكانت أمي طبعا هي أول من آمن بي وبقدراتي وساعدتني حتى وصلت لهذه المرحلة".

وتؤكد أن عدم توفر المواد والأدوات التي تستعملها في السوق الموريتانية، من أكبر الصعوبات التي تواجهها الآن، إذ يستغرق الحصول عليها عبر الطلبات من الخارج وقتا طويلا ويعطل عملها في بعض الأحيان، إضافة إلى أنه مكلف جدا وهذا كله حسب قولها يساهم في غلاء المنتج ويجعله في بعض الأحيان ليس بمتناول الجميع.

تحاول إلهام أن تحافظ على سمعتها ومصداقيتها بالجد والتفاني في العمل، ولكن اختفاء بعض أصحاب الطلبات -بعد أن يكون طلبه جاهزا للتسليم- أمر ما يزال يحيرها، خصوصا أنه لا يمكن بيعه لشخص آخر، لأنه صمم حسب ذوق ومقاييس الشخص الذي حدد اسما معينا ليطبع على اللوحة أو الميدالية، مشكلة تحاول أن تتجاوزها من خلال خطة جديدة وصارمة، تقول إلهام "أحاول التغلب على هذه المشكلة بأن أشترط دفع نصف ثمن المنتج كشرط أساسي لقبول طلبه والبدء في عملية إنتاجه لتفادي الخسائر".

عملية إبداع

وخلال عملية التصنيع والنحت تستخدم إلهام أدوات مختلفة من بينها المادة الرئيسة "الريزن"، وهي مادة مكونة من جزأين "الريزن" و"المصلب"، وتُضاف بنسب متساوية وموزونة، تضيفها في أكواب بلاستيكية تخلط فيها الريزن مع المصلب بأعواد خشبية، ثم تضيف إليها الألوان لتكون المادة جاهزة لتوضع في القوالب، التي تستخدم لإنتاج الأشكال المختلفة حسب الطلب كالميداليات والحلي وغيرها.

وبعدها تضيف الفنانة لمساتها الإبداعية الخاصة لتلميع المنتج وتزيينه عبر مزجه بالألوان المناسبة، وإكسسوارات لامعة ونقش كتابات معبرة عليها.

وبسبب خطورة مادة "الريزن" على الصحة تتخذ إجراءات وقائية حين تباشر العمل؛ "أحرص على أن أرتدي القفازات والكمامات وأن أكون في مكان مفتوح"، تقول للجزيرة نت.

طموح يستحق الدعم

مريم القاضي وهي مدونة مشرفة على أكبر وأشهر مجموعة نسائية في موريتانيا، وتعتبرها إلهام أكثر من دعمها من خارج أسرتها، تقول للجزيرة نت "إلهام فتاة طموحة واستطاعت بجهدها أن تتطور بشكل لافت في هذا المجال فقد كنت أواكب عملها منذ البداية".

وتضيف مريم المستبشرة بوجود فتيات طموحات وناجحات "كنت دائما أهتم بالمشاريع الشبابية وأدعمها، تعرفت على إلهام قبل سنة حين أشارت عليّ إحدى صديقاتي بمنشور يروج منتجاتها وأعجبتني، ومنذ ذلك الوقت أدعمها وأروج منتجاتها لأنها الوحيدة في هذا المجال في موريتانيا وتستحق الدعم".

وتسعى الفنانة التشكيلية إلهام التي تحلم أن تشارك في معارض دولية، إلى تطوير مشروعها والتركيز أكثر على الرسم وإنتاج اللوحات الفنية التشكيلية، لتنويع منتجاتها. وتقول "منذ البداية أحاول دائما التجديد والابتكار في أشكال القطع التي أصنعها وتطوير نفسي وقدراتي، ولذا أشترك الآن في مجموعات عالمية لصناعة الريزن في الواتساب والفيسبوك، وأتابع فنانات عالميات، وأتعامل مع العملاء بطريقة تليق بهم فلا أسلم لهم طلباتهم إلا في أغلفة هدايا أنيقة وجذابة".

ومن أجل مساعدة المرأة الموريتانية في التغلب على شبح الفراغ والتخلص من الركون في البيت من دون إنتاج، تتطلع الفنانة التشكيلية إلهام محمد لأن تقدم دورات تكوينية (تدريبية) للنساء الموريتانيات في صناعة الريزن في المستقبل، وتحثهن على السعي وراء شغفهن وهواياتهن بجراءة، ويترقبن النجاح بالاستمرارية والصبر.

المصدر : الجزيرة