تداعيات اعتزال الحريري على لبنان وسُنته (تحليل)

27 يناير, 2022 - 11:55

قبل أشهر قليلة على انتخابات نيابية، في 15 مايو/ أيار المقبل، اهتزت الساحة السياسية في لبنان بقرار سعد الحريري، رئيس الحكومة الأسبق، رئيس كتلة تيار "المستقبل" (سنية)، "تعليق" عمله السياسي.

ووفق خبراء ومحللين سياسيين، فإن هذا القرار قد تكون له تداعيات كبيرة سلبية على الطائفة السنية والاستقرار الداخلي في لبنان، لا سيما أنه يأتي في ظل أزمتين سياسية واقتصادية تعانيهما البلاد منذ فترة.

والاثنين، أعلن الحريري (51 عاما)، في مؤتمر صحفي، "تعليق" عمله في الحياة السياسية وعدم ترشحه للانتخابات النيابية المقبلة، وعدم تقديم أي ترشيحات من تياره "المستقبل" لهذه الانتخابات.

واعتبر أنه "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة".

وتتهم عواصم إقليمية وغربية وقوى سياسية لبنانية، إيران بالهيمنة على مؤسسات الدولة في لبنان، عبر حليفها "حزب الله" (شيعي)، وهو ما ينفي صحته كل من طهران والحزب.

الحريري أضاف أن منع الحرب الأهلية فرض عليه "تسويات أتت على حسابه"، منها زيارته إلى دمشق في 2009، وانتخاب ميشال عون رئيسا للبلاد في 2016، وقد تكون السبب في عدم الوصول إلى حياة أفضل للبنانيين، وفق تقديره.

ونفذ أنصار لتيار "المستقبل"، الذي يتزعمه الحريري، احتجاجات في العاصمة بيروت، الاثنين، مطالبين إياه بالاستمرار في العمل السياسي والترشح للانتخابات، معتبرين أنه "الممثل السياسي الوحيد للطائفة السنية في لبنان".

وللمرة الأولى، انتُخب الحريري نائبا في البرلمان عن بيروت عام 2005، ثم أعيد انتخابه في 2009، وانتُخب للمرة الثالثة عام 2018، فيما ترأس الحكومة ثلاث مرات أعوام 2009 و2016 و2018.

** مزيد من الأزمات

واعتبر علي حمادة، محلل سياسي، للأناضول، أن "حديث الحريري عن التسويات خلال مؤتمره الاثنين جاء بمعنى أن حزب الله قد يشعل حربا أهلية، إذا لم يحصل على التنازلات التي يريدها".

ورجح أن "الأمور في لبنان ذاهبة نحو مزيد من التعقيدات والأزمات، وبالتالي الحريري لا يريد أن يكون له أي دور في انفجار الوضع بالبلاد".

ورأى أن "تنحي الحريري عن الحياة السياسية سيزيد من احتمال تأجيل الانتخابات، لا سيما أن ذلك (قراره) قد يؤدي إلى انكفاء أكبر داخل الطائفة السنية، وبذلك ستقع البلاد في أزمة طائفية".

وحذر حمادة من "إمكانية وقوع صدامات في الشارع في أي لحظة لأن البلد يعاني من تراكمات عمرها سنوات طويلة، سببها شعور العديد من المكونات اللبنانية بأن قرارها مخطوف، وبأنها تخضع لوصاية وهيمنة حزب الله".

واعتبر أنه "بغياب شخصية قيادية مثل الحريري، قادرة على ضبط الشارع السني، من الممكن أن تخرج الأمور عن السيطرة في الشارع، وأن تشهد تدهورا أمنيا، خصوصا في حال وقع صدام مع حزب الله".

والحريري دخل عالم السياسة عقب اغتيال والده رفيق الحريري، رئيس الحكومة الأسبق، في انفجار ببيروت يوم 14 فبراير/ شباط 2005، واتهمت قوى سياسية كلا من النظام السوري و"حزب الله" باغتياله مقابل نفي منهما.

وفي 2020، أدانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان غيابيا، سليم عياش، وهو عضو بـ"حزب الله"، بينما برأت 3 متهمين آخرين ينتمون للحزب، ورأت أنه لا دليل على أن "قيادة حزب الله" كان لها دور بعملية الاغتيال، وكذلك لا دليل مباشر على "ضلوع سوريا" (النظام السوري) في الجريمة.

** ثمن مواقفه

متفقا مع حمادة، قال فيصل عبد الساتر، محلل سياسي قريب من "حزب الله"، إن قرار الحريري ستكون له تداعيات على المشهد السياسي وربما على الانتخابات وسير عمل الحكومة والوضع الاقتصادي في البلاد.

ومنذ عامين، يعاني لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، مع انهيار عملته الليرة، وشح في الأدوية والوقود وسلع أساسية أخرى، وهبوط حاد في قدرة مواطنيه الشرائية.

ورأى عبد الساتر، في حديث للأناضول، أن "الحريري تكبد ثمن مواقفه السياسية بأنه لم يكن يسعى إلى أن تكون هناك فتنة (طائفية) بلبنان".

واعتبر أن "بعض الأطراف الداخلية من الطوائف الأخرى كانت لديهم نوايا مبطنة بأن تكون المواجهة في لبنان حصرا بين تيار المستقبل وحزب الله، أو بين السنة والشيعة، وأن يبقوا هم محيدين عن هذا الصراع".

** لا بديل بالساحة السنية

بحسب سمير سكاف، ناشط ومحلل سياسي، فإن "مشكلة الحريري في الأساس هي عدم مواجهته مشروع حزب الله، والسماح له بمواجهة الدول العربية، لا سيما الخليجية، وهذا ما أدى إلى تكبد الحريري خسائر تلو الأخرى داخليا وخارجيا".

ولفت سكاف، في حديث للأناضول، إلى أن "من الخسائر التي أصابت الحريري، رضوخه لضغوط حزب الله لإيصال حليفه ميشال عون إلى سدة رئاسة البلاد عبر تسوية أبرمها الحريري عام 2016".

وتابع: "كل ذلك جعل الحريري بموقع الضعيف تجاه الرأي العام السني، وخسر بذلك الدعم العربي، وأي شخص سيتبع نفس أسلوب الحريري سيصل إلى نهاية مشابهة".

وتاريخيا، كانت العلاقة بين بيروت والرياض دافئة، خصوصا مع رفيق الحريري، الذي تولى رئاسة الحكومة اللبنانية مطلع تسعينيات القرن الماضي، وحتى بعد اغتياله عام 2005 استمرت العلاقة جيدة مع نجله سعد.

لكن هذه العلاقة اهتزت عام 2016، إثر تسوية جاءت بعون (حليف "حزب الله") رئيسا للجمهورية، والحريري رئيسا للحكومة، وفي العام التالي استقال الحريري، عبر كلمة متلفزة من الرياض، في ظروف غامضة، قبل أن يتراجع عنها من بيروت.

واستبعد سكاف وجود شخصيات سياسية سنية قادرة على ملء الفراغ بعد الحريري، معتبرا أن "رئيس الحكومة نجيب ميقاتي غير قادر على ذلك، فهو يسلك نفس الأسلوب الذي يتبعه الحريري، وهو مهادنة حزب الله والخضوع له في مواجهة الأخير للدول العربية".

ورجح صعود نجم بعض الشخصيات على صعيد مناطقي، لا سيما أولئك الذين يرفعون شعار "مواجهة" حزب الله، كالنائب فؤاد مخزومي في بيروت، والوزير السابق أشرف ريفي في طرابلس، وبهاء الحريري، شقيق سعد، الذي عبّر أكثر من مرة عن مواقف صريحة ضد الحزب.​​​​​​

الأناضول