مطالبة المغرب بموريتانيا و قوة الحراك المعارض له داخليا و قلة خبرته و خضوعه للقرار الفرنسي و انبهاره بمولد الدولة ، كلها أمور دفعت المرحوم المختار ولد داداه إلى ارتكاب أخطاء قاتلة ، ستظل موريتانيا طويلا تدفع ثمنها . و قد كان على رأس هذه الأخطاء تولي عصابة سنغالية و فرنسة غير بريئة لإدارة شؤون البلد بعد الاستقلال و فتح كل معابر موريتانيا لفيالق هجرة القارة الإفريقية الغارقة في الفقر و الحروب الأهلية (دخول البلد ببطاقة التعريف و حتى من دونها) و التعامل باستهتار لا نظير له في شأن الحصول على الأوراق الوطنية التي كان يسلمها كل ضابط حالة مدنية (الحاكم، الوالي، القاضي، المفوض …) .
و قد جاء مؤتمر ألاگ (الذي يعتبره ولد الشدو اكتشاف النار الذي غير تاريخ البشرية)، ليضفي الشرعية على تسويد موريتانيا، بوضع حجر الأساس أو لقم الأساس على الأصح ، لتفجير البلد متى ما أرادت فرنسا..
و حتى هذه اللحظة لا يوجد متجنس واحد في موريتانيا و لا يوجد فرق في قاموس إدارتها بين الوطني و المتجنس ، لا في الأصل و لا في الحقوق و لا في أي إشارة إلى مصدر ابتلاء بلادنا بفيالق أمثاله؛ فكانوا سفراء و وزراء و مفوضي شرطة و ضباطا سامين و قضاة و رؤساء أحزاب. و لا يُخجل بلدنا أن يعود أول سفير له في فرنسا بعد انتهاء مهمته، إلى أرضه (السنغال) ليتولى فيها حقيبة وزير!!؟
و من يمرُّ اليوم على معبر روصو لا بد أن يتذكر بمرارة ، ما جاء على لسان مراسل مجلة العربي الكويتية في الملف الكبير الذي أعدته عن موريتانيا سنة 1968 : “إذا لم تتخذ تدابير عاجلة، ستكون لنا فلسطين أخرى في الغرب الإفريقي فالحصول على الجنسية الموريتانية يتطلب أوقية واحدة هي ثمن تذكرة العبَّارة و تصبح موريتانيا”
و يخطئ الآن من يعتبر أن أي شيء تغير ، فما زال آلاف الأفارقة يدخلون روصو يوميا عن طريق العبّارة و التسلل عبر طرق التهريب الموازية لها ليكملوا طوابير “لا تلمس جنسيتي” و حشود جماهير حزب صار إبراهيما و كتائب الجبهة المسلحة لتحرير موريتانيا (flam)..
لقد شكل هؤلاء الوافدون واقعا على الأرض أهم من أوراق الهوية و هذا ما تجهله و تتجاهله الأنظمة الموريتانية؛ الحقيقة الأهم هي ما يصنعه الواقع لا ما تتجمل به الحقائق بغباء: فماذا ستصنع الأنظمة مع وافد مزق أوراقه و قال أنا مواطن ؟ ماذا ستفعل مع آلاف الوافدين المماثلين؟
على موريتانيا اليوم أن توقف شلال هذا النزيف المستمر من دون أن تخفيها أو تجامل فيها ..
عليها أن تعيد النظر في من منحت لهم أوراق وطنية بالرشوة و المحسوبية لتثبت أنهم متجنسين على الأقل و تصحح وضعهم على أساس ذلك..
عليها أن تسن قوانين تمنع المتجنس من بعض الوظائف كما في العالم أجمع ..
عليها أن تسن قوانين توضح شروط التجنيس ..
عليها أن تخلق آلية للطعن في تجنيس من حصلوا على أوراق وطنية دون أي وجه حق..
عليها أن تسن قوانين رادعة حد القتل ، لكل من يساهم في حصول شخص غير مواطن على أوراق وطنية بطرق غير شرعية..
و أعرف أننا سنجد من يعتبر المطالبة بمثل هذه الإجراءات عنصرية ..
سنجد من يعتبر من يقول مثل هذه الحقائق بيظاني عنصري متطرف يحرض على لفتنة و الكراهية..
علينا أن نفهم اليوم أن كل الأحداث المؤسفة في العقود الماضية التي غذتها أطماع النخب السياسية الانتهازية المشاغبة بدلع “فرق تسد” المحمي فرنسيا بإعلان عكسه، جعلت إخوتنا في الوطن و الدين و الدم و الإنسانية ، الأبرياء من كل ما حدث، في حالة ذعر تحتاج إلى لفتة أصدق من الدعاية و أعمق من المجاملة، تعيد إليهم الثقة في وطنهم و ترأب الصدع الغائر في نفوسهم.
آن لهذا الجرح النازف أن يندمل و لن يزول إلا بزوال أسبابه و أهمها الفصل بين المسؤولين عنه و ضحاياه .
ما دمنا نعتبر تيام صامبا و بيرام ولد اعبيدي و صار إبراهيما أهم من بيجل و المدير ولد بونه و لو غورمو و ولد الزحاف و الدرديري (ابن فقيد الأمة) و اللائحة تطول و تمتد من زمن ولد داداه إلى اليوم بما تحمل من أخطاء فادحة، لا نستحق إلا ما نعيشه اليوم من تأزم و شقاق و تناحر ، لا مبرر له ..
هؤلاء عرب أكثر منا و أفصح منا و أفارقة أكثر منا و أوفى منا و مسلمون أتقى و أصدق منا ..
و ليس من بيننا من يستطيع أن يتطاول على المنِّ على أي منهم بوطنية و لا عروبة و لا إفريقية و لا إسلام..
هؤلاء الوفاق معهم مكسب و الخلاف معهم متعة و قربهم يبني الأوطان و بعدهم يهدمها و احترامهم واجب وطني و ديني و أخلاقي و احتقارهم عقوق للوطن و الدين و الأخلاق ، عكس حراس معبد الفرنكوفونية و جنود فرانس آفريك و سماسرة أزمات العقوق الوطني من أمثال بيرام و تيام صامبا و صار إبراهيما و غيرهم من مرتزقة أذيال المد الاستعماري السابح اليوم عكس التيار ، بعد ثورة نخب المنطقة ضد الهيمنة الفرنسية بما خلفت فيها من بؤس و تخلف و دمار و انقلابات عسكرية و حروب أهلية و بينية و مآسي لا حدود لها..
إن تكريم الأنظمة الموريتانية لأعداء البلد و خونته على حساب أبنائه الأوفياء هو المسؤول الأول عن ما نحن فيه اليوم و هذا ما نستحقه بكل تأكيد..
إذا كنت يا صار إبراهيما تتمسك بالفرنسية لأن فرنسا قتلت آباءك و أعمامك و أخوالك و استباحت حماك و انتهكت أعراض ذويك و احتلت أرضك ، فمشكلتك واضحة . و إذا كنت تتمسك بها لأن فرنسا لم تقتل آباءك و أعمامك و أخوالك و لم تستبح حماك و لم تنتهك أعراض ذويك و لم تحتل أرضك ، فقضيتك أوضح ..
و دون هذا و ذاك ، تذكر أنك تعقُّ إفريقيتك بدفاعك المستميت عن الفرنسية في زمن لوبين و إيريك زمور..
تذكر أنك تسبح عكس التيار حين تعلن هذا الارتباط الوجداني بالفرنسية في زمن تنتفض فيه كل نخب الغرب الإفريقي ضد الاحتلال الفرنسي المستمر عبر الفرنكوفونية و فرانس آفريك و فرنك (CFA)..
تذكر يا تيام صامبا أن لغة الانفتاح اليوم تقال للغة الانفتاح على العلوم لا على الشعب الفرنسي المتخلف علميا، الغارق في بؤس العنصرية و التطرف و نكران الجميل للأفارقة الذين حرروه من الاستعمار النازي ليكافئهم بمذبحة تياروي و التحكم فيهم عن طريق طابور من المعتوهين الموالين له و الحروب البينية الممولة فرنسيا من الطرفين و الانقلابات العسكرية المبررة فرنسيا بالتوق إلى الحرية و الديمقراطية المكذوبة..
و لا أفهم اليوم العودة إلى قضية الهوية و اللغة بعد انحسارها في العقود الماضية، بمثل هذا التنمر الكاشف عن وجهه؛ هل هو استضعاف للنظام القائم ، هل هو مؤازرة لفرنسا بعد ثورة القارة ضد بؤس نهجها و استمرار هيمنتها أم هو اختبار ليقظة المجتمع بعد عشر سنين من العمل مع المجرم عزيز على تمزيق لحمته و تدمير إدارته و تهميش و تهجير نخبته!!؟
علينا أن نبحث عن رأس هذا الخيط لنفهم بساطة تفكيك ألغاز هذه الجريمة المختبئة خلف ستار الديمقراطية الكاذبة و حقوق الإنسان المهدورة ..
سيدي علي بلعمش