مازالت المحاضر أو "المحاظر" الشنقيطية تستميت في الحفاظ على دورها الريادي المتميز في نشر العلوم والمعارف والحفاظ على الإشعاع العلمي والثقافي في موريتانيا.
أغلب هذه المحاظر المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد؛ تقف خلفها مبادرات شخصية من أفراد خيرين تشبعوا بروح الإيثار وحب الخير والفضيلة، والإيمان الراسخ بنبل العمل التطوعي خدمة للناس، وحفاظا على هوية البلد والمجتمع، وحرصا على حماية الناشئة في مواجه تحديات العصر ومغرياته متعددة التأثير..
مراسل وكالة "ميثاق" الإخبارية زار إحدى هذه المحاظر الشاهدة على أن الخير باق في هذه الأمة وفي كثير من رجالاتها وأبنائها؛ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
يتعلق الأمر بمحظرة النور الهادي التابعة لمسجد الجماعة بصاك أطار رقم 2 ببلدية كيفه في ولاية العصابة.
أبناء وبنات من مختلف الأعمار والشرائح يصلون مبكرين إلى مقر المحظرة الذي هو عبارة عن كوخ مسقوف بمادة الزنك (السنك) ويتفرقون جماعات يحملون ألواحهم؛ تحت إشراف شيخ يشع محياه نورا، وتشي ملامحه بالجد والاجتهاد، وهو يسطر الدروس في الألواح، وينصت لهذا، ويصحح لذاك، ويشرح لهذه، وينصح أولئك، ويزجر هؤلاء؛ دون أن تظهر عليه أي أمارة للتعب أو الملل؛ بل يتهلل وجهه سرورا حين يرى ثمرة مجهوداته مجسدة في حسن حفظ هذا التلميذ أو صحة فهم ذاك أو تلك؛ أو حين يتذكر أعداد الذين تخرجوا من محظرته وحققوا الحلم الذي قادهم لدخولها أول مرة..
إنه الشيخ المصطفى بن سيدي بن حبديه شيخ محظرة النور الهادي بكيفة والذي سألناه أولا:
ميثاق: متى تأسست محظرة النور الهادي هذه؟
المصطفى بن حبديه: أهلا وسهلا ومرحبا بكم..
هذه المحظرة تأسست بفضل الله تعالى منذ قرابة ربع قرن من الزمن، وتحديدا في العام 1988 في صاك أطار بمدينة كيفه، ومازالت بعونه تعالى تدرس التلاميذ وتخرجهم رغم صعوبة الظروف وتراجع مستويات الإقبال الجاد على التعليم عموما وعلى التعليم المحظري خصوصا.
ميثاق: وكم هو عدد التلاميذ الدارسين في هذه المحظرة؟
المصطفى حبديه: عدد التلاميذ ليس ثابتا دائما؛ بل يتغير زيادة ونقصا حسب المواسم؛ فخلال السنة الدراسية مثلا يتناقص هذا العدد إلى حدود 15 طالبا وطالبة بسبب انشغال التلاميذ في التعليم النظامي؛ أما حين تغلق المدارس أبوابها فإن العدد يتضاعف بفضل الله إلى حدود الستين أو أكثر.
ميثاق: وماهو منهج التدريس المتبع والمواد المدرسة في المحظرة؟
المصطفى حبديه: منهج التدريس المتبع عندنا هو نفس المنهج التقليدي للمحظرة الشنقيطية، وإن كنا أحيانا نقدم دروس تقوية في مجال الحساب والرياضيات لمن يطلبون ذلك؛ فنساعد تلاميذ المدارس على فهم واستعياب الدروس التي يتلقونها في مؤسساتهم التعليمية.
أما المواد والمناهج المدرسة عندنا فهي أساسا: القرآن وعلومه وأحكامه، ومبادئ الفقه عموما، واللغة العربية ومبادئ النحو مثل عبيد ربه ونحو ذلك.
وقد تخرج من هذه المحظرة عدد لا بأس به من حفظة القرآن الكريم والمتضلعين في علومه وعلوم اللغة العربية، وشارك بعضهم في مسابقات وطنية وتمكن من الولوج إلى سوق العمل في قطاع التعليم والأمن وغيره؛ حيث أصبح بعضهم أساتذة ومعلمين وشرطيين ورجال أمن.
ميثاق: هل تتلقى المحظرة أي مساعدات من الدولة أو من جهات خيرية أخرى مثلا؟
المصطفى حبديه: بالنسبة للمساعدات لا علم لي بشيء منها سوى مبلغ عشرة آلاف أوقية قديمة كانت تقدمها وزارة الشؤون الإسلامية كمساعدة رمزية من الدولة الموريتانية، وقد توقفت تلك المساعدة منذ سنوات دون أن نعرف السبب، عوضنا الله خيرا منها.
ميثاق: إذن أنتم تطلبون المساعدة وتحتاجونها؟
المصطفى حبديه: نحن نطلب التوفيق والقبول من الله أولا وقبل كل شيء؛ إذ أن السبب الأول من تأسيس هذه المحظرة هو ابتغاؤنا الأجر عند ربنا، ورجاء رضوانه، ونحن نتعبده بهذا العمل الذي نحرص على أن يظل خالصا لوجهه تبارك وتعالى.
لكننا لا نستحي أن نتطلع إلى مساعدة دولتنا وحكومتنا ولمؤازرة الخيرين من أبناء أمتنا، وهي مساعدة لا نريدها لأنفسنا ولا لجيوبنا ولا لأسرنا، بل لهؤلاء التلاميذ ولأسرهم، ولمجتمعنا الذي من مصلحته ومن مصلحة أبنائه وجميع أجياله أن يعود شعبا متعلما ومتفقها في أمور دينه ودنياه.
وإنني لأرجو؛ بعد زيارتكم المشكورة هذه؛ أن يهدي الله بكم بعض أصحاب النوايا الحسنة والأيادي البيضاء لمساعدة تلاميذ هذه المحظرة ببناء بيت يظلهم عن حر الشمس وقر البرد, ولقد رأيتم بأنفسكم فيم يسكنون؛ إنه مجرد كوخ مسقوف بالزنك، ولا شيء غير هذا.. ولعل بناء مقر لائق للمحظرة يكون من أهم وأيضا من أبسط ما يمكن أن يساعد به الخيرون طلبة العلم في هذه المحظرة، كثرهم في بلدنا وشكر أعمالهم، وتقبل الله منا ومنهم أجمعين.
ميثاق: شكرا جزيلا شيخنا الجليل.. شكر الله سعيكم أنتم أيضا، ووفقكم ووفقنا جميعا في دعم ومآزرة هذه المؤسسات الخيرية الأهلية التي كانت ومازالت مفخرة عظيمة لهذا البلد ولأهله.
المصطفى حبديه: شكرا لكم أنتم أيضا... وفقكم الله وحفظكم، وجعل عملكم خالصا لوجه تعالى، موفقا بإذنه، مقبولا بفضله وكرمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة:
يسر وكالة "ميثاق" أن تثبت هنا رقم الاتصال الخاص بالشيخ المصطفى حبديه، لمن يرغب في التواصل معه من أهل الخير:
36239354