ندوة سياسية تناقش حياد موريتانيا أو مراجعة اعترافها بالجمهورية الصحراوية

26 مايو, 2021 - 11:06

لم يتوصل المفكرون والمثقفون والأكاديميون والخبراء الموريتانيون لأي موقف مشترك خلال نقاشهم أمس الموقف الاستراتيجي الذي يجب على الحكومة الموريتانية تبنيه من قضية الصحراء الغربية.
وجرى هذا النقاش العاصف ضمن ندوة حول “الواقع الأمني والاستقرار السياسي والتحديات الجيواستراتيجية، في القارة الإفريقية، وقضية الصحراء”، نظمها أمس “منتدى الأواصر للتحاور” ضمن مبادرة أكد رئيسه الإعلامي عبيد إميجن “أنها مساهمة في الإصلاح المؤسساتي لمنظومة الاتحاد الإفريقي وتشجيع الأفكار الواقعية”.
وضجت الندوة كثيراً بمطالبة البعض بضرورة مراجعة الموقف الموريتاني من قضية الصحراء انحيازاً للمصالح الموريتانية تورية وتوهيماً وتصريحاً بسحب الاعتراف الموريتاني بالجمهورية الصحراوية.
وانقسم المشاركون في الندوة ما بين مطالب بمراجعة اعتراف موريتانيا بالجمهورية الصحراوية، ومن لا يرى ذلك ويطالب بالحياد وبلزوم الحذر حتى لا تنجر موريتانيا لصراع دفعت ثمنه غالياً خلال حرب السبعينيات.
ودعا متدخلون عديدون في هذه الندوة “إلى مراجعة الموقف الموريتاني من قضية الصحراء وإعادة النظر في اعتراف موريتانيا بالجمهورية الصحراوية، بما يخدم المصالح الموريتانية ومصالح المنطقة بشكل عام”.
واعتبر رئيس المنتدى الإعلامي، عبيد ولد اميجن، أن “دور الاتحاد الإفريقي في قضية الصحراء ظل يتسم بالغموض، دون أن يملك طموحات لإنهاء النزاع على حيازة الصحراء رغم العروض الواقعية المقدمة من المغرب”، وفق تعبيره.
وأكد الدكتور السيد ولد أباه “أن الوضع الراهن للمنطقة الإفريقية يعاني من خلل في التصور الاستراتيجي، وهو التمييز بين اتحاد المغرب العربي والمنظومة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا”.
وأضاف أن “المنطقة الإفريقية منطقة متداخلة من واد درعة وبلاد سوس، فهي تمتد حتى شمال مالي وتشاد وحتى شمال نيجيريا”، معتبراً أن “الحدود الحالية مجرد حواجز خلقها المستعمر، بينما كانت هناك هوية موحدة وبدون أي حواجز”. وقال إن المنطقة تواجه ثلاث مشاكل كبرى، منها مشكل الصحراء ومشكل شمال مالي والحركات المسلحة مثل حركة بوكو حرام.
واعتبر ولد اباه أن “هذه المشاكل لن تحل إلا بحلول واقعية كالحكم الذاتي”، مشيراً إلى أن “موريتانيا عليها أن تنتقل من دور الحياد الإيجابي إلى الحياد الفاعل، لأنها هي المحور الحقيقي والاستراتيجي لهذا الإقليم بمفهومه الواسع”.
وأضاف “أن المنطقة الإفريقية تحتاج إلى بلورة تصور إقليمي جديد، وأن الحل الجذري سيكون في بناء هذا الإقليم الجديد، بعد أن نتجاوز الوحدة المغاربية ومنطقة دول الساحل”.
وفي السياق نفسه، استغرب الباحث محمد أفو، وهو أحد المشاركين في الندوة، من الموقف الموريتاني من قضية الصحراء وبخاصة الاعتراف بالجمهورية الصحراوية منذ البداية، مضيفاً أن “موريتانيا دفعت ثمن هذا الاعتراف أمنياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً”.
واستعرض ولد أفو الوقائع التاريخية للأحداث الصحراوية الموريتانية، مطالباً الحكومة بضرورة “إعادة النظر في الاعتراف الغريب بجمهورية الصحراء”، واعتبر “أن العلاقات الدولية تقوم على المصالح العليا للدول، لا على العواطف”. وقال ولد أفو: “علاقة موريتانيا بالمغرب أهم بكثير وأقوى مردودية على الدولة من علاقة مع كيان وهمي”، على حد تعبيره.
وطلب ولد أفو النخبة الموريتانية تسليط الضوء على العلاقة الموريتانية بالصحراء، معتبراً أن “الموقف الموريتاني من هذه القضية ظل جامداً وبعيداً عن النقاش”، وأكد أن “الوضعية الراهنة تهدد الأمن القومي الموريتاني”.
وفي مداخلة أخرى، أكدت زينب بنت التقي، النائبة البرلمانية الموريتانية، أن “قضية الصحراء قضية استراتيجية بالنسبة لموريتانيا، وفي المجال الأمني بالدرجة الأولى”، مطالبة السلطات الموريتانية “بمراجعة اعترافها بالدولة الصحراوية”. وأكدت بنت التقي “أن اعتراف موريتانيا بالصحراء كدولة مستقلة ليس أمراً مقدساً وإنما عمل ساسي اقتضته ظروف معينة، وهو خطوة غير استراتيجية”، وفق تعبيرها. وفي مداخلة أخرى خلال الندوة، اعتبر النائب البرلماني العيد ولد محمد “أن العائق الأساسي أمام الاتحاد الإفريقي هو غياب النموذج الأوروبي، خاصة في الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي”، مشيراً إلى أن الاتحاد الإفريقي “تحول إلى نقابة رؤساء”.
وحول الموقف من قضية الصحراء، قال ولد محمد “إن الموقف الموريتاني يجب أن يكون واقعياً، ومتماشياً مع الدور الذي تستطيع أن تلعبه داخل هذا الصراع”، مشيراً إلى أن “موريتانيا ليست جزءاً من الحل، وإنما أقصى قدراتها أن تكون مساعداً عليه، ودورها في النهاية هو دور مكمل لأدوار بقية الأطراف وليس دوراً حاسماً”. وأكد النائب البرلماني والمحامي “أن موريتانيا يجب أن تعمل على حماية نفسها من تبعات هذا النزاع، لأنها لا تملك مفتاح الحل”، وشدد على أن أهم شيء بالنسبة لموريتانيا هو “اتقاء شر القضية الصحراوية”، وفق تعبيره.
وفي تعليق له على هذا النقاش، أكد وزير الإعلام السابق المفكر السياسي البارز سيدي محمد ولد محم “أن الموقف المنحازٍ للصحراويين لا يخدم بحال من الأحوال المصالح الوطنية الموريتانية ولا مصالح دول المنطقة، ويشكل إقحاماً لموريتانيا في مشكل بين أشقاء أثبتت التجربة التاريخية أننا كلما فقدنا حيادنا بشأنه كلما خسرنا أكثر، وكلما حافظنا على حيادنا بين أطرافه كلما كنا أكثر قدرة على خَلق التقارب وفرض التهدئة”.
وقال: “حين خاطب الرئيس بومدين الرئيس المختار (رحمهما الله تعالى) قائلاً: إن عليك أن تختار بين الجزائر المغرب، أجابه بتلقائيته المعروفة: أختار موريتانيا، وهو موقف لو حافظنا عليه لاحقاً لتجنبنا الكثير من الكوارث التي أفرزها دخولنا طرفاً في هذا النزاع”.
وأضاف: “لذلك، فإن الذين يدفعون ببلادنا لاتخاذ موقف منحاز، ويدعونها للاصطفاف مع طرف دون آخر إنما يخدمون تلك الأطراف، ولا تستساغ تضحيتهم بمصالح بلدهم خدمة لأجندة أي طرف من أطراف هذا النزاع، والذي هو في النهاية نزاع بين أشقاء اختاروا بملء إرادتهم الحرة مسطرة التدويل والاحتكام إلى الأمم المتحدة، لذلك فنحن غير مُحكَّمين بشأنه حتى يكون لزاماً علينا إصدار أي حكم بعدالة أو مشروعية أية مطالب لأي من طرفيه، وليس لنا إلا مواكبتهم بمساعينا وجهودنا بغية التوصل إلى حل دائم وعملي يرتضونه”.
وتابع الوزير سيدي محمد يقول: “على طرفي النزاع أن يدركا بعمقٍ أن حياد موريتانيا يخدمهما أكثر مما يخدمهما انحيازها، وبالتالي فإن محاولة أي منهما للتأثير على الموقف الموريتاني المحايد إيجابياً وبشكل مثمر، سواء عن طريق حملات إعلامية مكشوفة أو بواسطة تحريك مؤثرات أخرى، لن يكون لذلك أي صدى لدى صانع القرار أو لدى الرأي العام الوطني”.
وقال: “على نخبنا التوقف عن تمثيل دور الصدى لمواقف الآخرين، فموريتانيا ومصالحها أولاً، وحل النزاع في الصحراء بشكل سلمي وتفاوضي هو الذي يليق بأشقائنا ويخدم استقرار المنطقة وأمنها وتنميتها”.