في ضوء الدراسات المتزايدة حول مخاطر الجلوس الطويل أمام الشاشات للترفيه أو العمل، كان أحد أكثر الحلول نموذجية هو ممارسة التمارين الرياضية. لكن الدراسات الأخيرة تقول إننا حتى وإن مارسنا التمارين، يظلّ الجلوس "قاتلا"، فما العمل إذن؟ في هذا التقرير من مجلة "نيوساينتست"، يخبرنا أستاذ الأنثروبولوجيا التطورية هرمان بونتزر، وأستاذ علوم الأحياء ديفيد رايكلن، من رحلة بحثية قاما بها إلى شمال تنزانيا، عن حل قد يغيّر تصميم مكاتب العمل للأبد
هي أمسية حارقة أخرى في الشمال من تنزانيا، شوط آخر يحفّه الخطر من لعبة الكراسي. في مسيرنا الشاق إلى المعسكر البحثي هربا من قيظ الشمس، وبعدما يئسنا من إيجاد مقعد نجلس عليه، تبادلنا النظرات ثم التفتنا إلى مقعد يتيم شاغر في المعسكر. إلى جواره، قرفص مبتسما، أوناواسي، العجوز القدير، يميل عليه بخبث، وقد علت وجهه ملامح السرور لحالنا.
كنا نقضي الصيف مع جماعة الهادزا، آخر الجماعات السكّانية من "الصيادين القطافين" على وجه الأرض. لقد تفادى الهادزابيّون أمراض القلب وأمراضا أخرى تفشّت في العالم الصناعي، وأردنا أن نعرف السبب. جاء فريقنا البحثي الصغير بسيارتَيْ "لاند كروزر" محمّلتين بأجهزة تقنية لقياس كل حركة تمت وكل سعرة حرارية حُرقت في الطواف اليومي للهادزابيين بالمشهد الطبيعي من أجل الصيد وجمع العسل والبطاطس والتوت.
وبعد صباح طويل، نال منا قيظ ورطوبة لا مفر منهما، ولم نكن نريد سوى الجلوس، وهي رغبة بدا أن أوناواسي يشاركنا إياها، فقد قضى صبيحته في الصيد، ولا شك أنه كان يستحق المقعد أكثر منا. لكن السيل قد بلغ الزبى؛ فقد جذبت مقاعد المخيم العزيزة التي جلبناها معنا إلى البريّة رغم ثِقَل وزنها أبناء الهادزا، وبدا كل زائر إلى معسكرنا البحثي الصغير مشدودا إليها كفراش تشدُّه إنارة السقيفة.
كنا نعلم أنّ الهادزابيين سيعلّموننا كثيرا من الأمور المتعلقة بالحفاظ على النشاط الجسدي، لكن اتضح أن لديهم أمورا مهمة يعلّموننا إياها عن الراحة أيضا. ومعا، على مدار 10 سنوات قادمة، سنفهم سبب عجزنا عن مقاومة المقاعد، ولماذا كنا نشتبه بضلوعها في أمراضنا.
في زمان أبسط من زماننا الحالي، أي قبل "البريكست"، وقبل أن يصبح دونالد ترمب رئيسا أو قبل "كوفيد-19″، بعيدا إلى عام 2012، لاحت للعالم تحذيرات من خطر جديد خبيث، جائحة لا تُرى بالعين المجردة. فعند تحليل بيانات الوفاة جراء مرض القلب، والسكري والسرطان، وجدت "آي من لي"، وهي عالمة الأوبئة بجامعة هارفارد، جانيا مُشتركا: الجلوس. وفي ورقة بحثية مفصليّة نُشرت في "لانسيت"، استنتجت لي وزملاؤها أن الفترات المطوّلة من الخمول الجسدي تفتك بأكثر من 5 ملايين إنسان سنويا حول العالم، ما يجعل مخاطره الصحية "شبيهة بتلك التي للدخان والبدانة"، وبات الجلوس بمنزلة التدخين في وسائل الإعلام. لكن الأخطر في حالة أولئك الذين يقضون حياتهم أمام التلفاز منا أن التمرينات الرياضية لا تُلغي مخاطر الجلوس كليا، فالساعات الطويلة التي نقضيها في مقعد أو على الأريكة تنهب من أعمارنا سنوات حتى وإن التزمنا بالنادي الرياضي لأبعد حد، فالجلوس مختلف، ما لم يكن أسوأ، عن قلة التمرينات الرياضية.
طيلة ألفية من الزمان، كان رجال الدين والمختصون في القطاع الصحيّ يحذروننا من آفة الكسل والتراخي، لكن ترديد النصيحة الصحّية بالتحرك أغفل لغزا تطوريّا مثيرا. لماذا يُعَدُّ الخمولُ سيئا لنا حتى وإن مارسنا الرياضة؟ وكيف يُمكن للتطور أن يولّد كائنات حية تستجيب بضعف شديد للراحة؟ لا سيما وأن تشارلز داروين قال بوضوح قبل 150 عاما إن الاصطفاء الطبيعي يُفضِّل الإستراتيجيات التي توجّه موارد الكائنات الحية نحو النجاة والتكاثر، وإن أي جهد لا يؤدي في النهاية إلى نجاح التكاثر يُستغنى عنه. كما أن الاصطفاء الطبيعيّ، وهو عامل غير أخلاقي بالضرورة، لا يأبه إلا بأعداد الذُّرية الناتجة عن ميكانيزمات التكاثر. وحري بهذا أن يؤدي إلى أن تتكيّف أجسامنا جيدا للراحة أينما أمكن، متيحة الموارد لاستخدامات مستقبلية.
وتبدو أنواع أخرى لا حصر لها من الكائنات الحية متسقة مع هذه الفلسفة. ففي المحيط، تستريح بعض الأسماك المفترسة لأكثر من يوم في انتظار أن تمر بها فريستها، بينما تنسلّ كثير من الزواحف والبرمائيات في حالة من السكون بانتظار مرور فترات الطقس البارد أو شح الغذاء. في حين تقضي الدببة والخفافيش ومجموعة من الثدييات الأخرى شتاءاتها في السُّبات، دون أن تبدو عليها أي علامات مرض عند استيقاظها في الربيع، حتى إن القردة الرئيسية تقضي الساعات كل يوم في الجلوس والاستلقاء كما يفعل المراهقون في عطلة الربيع على الشواطئ بعد أن ينالهم الثمل.
وبرغم افتراض الناس بأن الصيادين القطافين أنشط من شعوب المجتمعات الصناعية، فإننا نعرف من تجاربنا الخاصة مع جماعة الهادزا، ومن المرويات العلمية حول جماعات سكانية أخرى، أنهم يقضون قسطا طويلا من الوقت في الجلوس والراحة كذلك.
ما من مكاتب حديثة مخصصة للوقوف في بلاد الهادزا. ففي حرّ النهار، لدى عودتهم إلى المعسكر بعد طلعة صيد، يعثر النساء والرجال على أماكن ظليلة للجلوس فيها بينما يشعلون الموقد، يحضّرون الطعام ويصلون أرحامهم. لكنهم على عكس الناس في البلدان الصناعية، لا يتضررون جراء الجلوس. فما سرُّهم؟ وكيف أمكننا أن نخفق في مسألة بسيطة كالجلوس؟
جاء أول الأدلة على أن الجلوس لفترات طويلة يُسبِّب المرض في العالم الصناعي من دراسة مزلزلة نُشرت في عام 1953 لعمال قطاع المواصلات في لندن، حيث لاحظ جيري موريس أن سائقي الحافلات يقضون معظم ساعات اليوم في الجلوس بينما يُتاح لباعة التذاكر في الحافلات الأيقونية ذات الطابقين الوقوف وصعود السلالم، وتتبَّع موريس وزملاؤه نحو 31.000 رجل في هذه المهن على مدار عامين فوجدوا أن السائقين أكثر عُرضة بنحو 30% من باعة التذاكر لتطوير مرض القلب، وأن ذلك يصيبهم في عمر أصغر سنا وأن عواقبه أشد ضررا، وأظهر بحث آخر يقارن بين العاملين في التوصيل والعاملين في المقرّ في مكاتب البريد نتائج مماثلة.
لكي يُحدِّد استنتاجاته، ركّز موريس على أهمية النشاط الجسدي في منع أمراض القلب، ما ساعد في إطلاق ثقافة التمرينات الرياضية الحديثة. لكن بدءا من تسعينيات القرن الماضي، بدأ الباحثون في التساؤل عما إذا كان الجلوس نفسه هو ما يؤدي إلى المشكلات، وبالطبع بدأت الدراسات تُظهِر وجود إمكانية كبيرة لأمراض القلب والوفاة في سن مبكرة عند إبلاغ الأشخاص عن جلوسهم لفترات مطوّلة من الوقت في مشاهدة التلفاز، مثلا.
اتسعت رقعة هذا الخط في التفكير بفضل بيانات أُخِذت عن التجارب التي تُحاكى فيها تأثيرات السفر في الفضاء على الجسم البشري. فمع احتدام المنافسة على الفضاء في خمسينيات القرن الماضي، باتت "ناسا" مهتمة بالطريقة التي قد يؤثر فيها ضعف الجاذبية الأرضية على صحّة رواد الفضاء، وهكذا بدأت الوكالة تُجري سلسلة من دراسات استراحة الأجسام، حيث يستلقي المتطوعون لفترات طويلة، تربو على الشهرين أحيانا، وقد ضعفت عظامهم ووهنت عضلاتهم، لكن كانت هناك أعراض غير متوقعة أخرى أيضا، إذ كان لدى المبحوثين مستويات أعلى من دهون تسمى "ثلاثي الغليسيريد" في الدم إلى جانب عوامل تؤدي إلى مرض القلب الوعائي.
مع تنامي الأدلة حول مخاطر الخمول، بدأ يتشكّل افتراض حول السبب وراء ضرره. حينما نقف ونخطو، فإننا نستخدم عضلات الأرجل والجذع لكي نتوقف باستقامة. لكن المقاعد والأسرة توقف عمل تلك العضلات، التي ما تلبث أن تدنو من بعضها حتى ترتطم ببعضها كليا، ولربما كان النشاط العضلي هو الحل.
في العادة، يروق للباحثين الطبيين تجريب صحة أفكارهم في القوارض، لكن إقناع قارض بالجلوس في كرسي ومشاهدة التلفاز لم يبدُ خيارا ممكنا. وفي خطوة جريئة، ثبَّت مارك هاملتون من جامعة مِزوري وزملاؤه الأطراف الخلفية لفئران المختبر بالأرضية عبر ربط ذيولها بعلّاقة مثبتة في أعلى سقف القفص. ومع الاستغناء عنهما في تدعيم وضعية الجسد، توقفت الأطراف الخلفية للفئران عن العمل وعن حرق السعرات، وهذا أدّى بدوره إلى معدلات منخفضة من الإنزيم اللازم لتزويد العضلات المتحركة بالوقود، ألا وهو ليباز البروتين الشحمي. يتصرف هذا الإنزيم كما لو أنه منظّف لثلاثي الغليسيريد، حيث يفتت الجزيئات إلى أسيد زيتي يمكن أن تحرقه العضلات، وهو ما يُصفّي مجرى الدم منها.
لدى فئران هاملتون، تراكم ثلاثي الغليسيريد في الدم لأن العضلات لم تكن في حاجة إليه، كما أنها لم تنتج ليباز البروتين لتفتيته. وقد بدا معنى هذا الأمر واضحا بالنسبة لبني البشر: إن الجلوس المطول يوقف عمل العضلات ويرفع منسوب ثلاثي الغليسيريد.
ووفّرت الدراسات التي أُجريت على البشر إثباتا لهذه الميكانيزمية. ففي عدة تجارب منضبطة، طوّر الأشخاص الذين أُرغموا على الجلوس لفترات طويلة مستويات مرتفعة من ثلاثي الغليسيريد. لكن الأمر اللافت أننا إن قطعنا وقت الجلوس بقليل من الحركة، وإن كان خطوا بطيئا، فإن معدلات ثلاثي الغليسيريد ستنخفض إلى حدٍّ كبير.
في الحقيقة، شهد الأشخاص الذين طُلب إليهم تقليل مدة جلوسهم عبر قضاء مزيد من الوقت في المشي والوقوف على مدار أربعة أيام انخفاضا بنسبة 32% في مستويات ثلاثي الغليسيريد. كما أن إطالة الجلوس دون وقت مستقطع يغيّر جدران الأوعية الدموية بما يجعلها أكثر تيبّسا وعُرضة لمرض القلب التاجي، وتعطيل الجلوس بالحركة البسيطة يستعيد عمل الأوعية الدموية.
لربما تمكّن الهادزابيّون من تفادي مخاطر الخمول بالاستراحة مدة أقل في كل يوم، ولعلهم كانوا يقطعون فترات جلوسهم بزيادة مرات الوقوف أو المشي. وحازت تلك الفكرة على قبول بديهي، فمن الصعب أن نتخيل استلقاء رجل أو امرأة من الهادزابيين بمقدار ما يريدون على ظهورهم يوميا كأي مواطن عادي في الولايات المتحدة. لكن تجاربنا مع أوناواسي وانجذابه العارم للمقعد اللطيف دلّ على تفسير آخر، أعمق من هذا. لربما كانت المقاعد، وهي صفارات الإنذار التي تُثير انتباه أجسادنا، هي المشكلة.
إن التطور المادي ظاهرة مشوقة فعلا، ذلك أن الابتكارات تتم عادة بالاستناد إلى ما يسبقها، حيث تفسح الحلول البسيطة المجال لتصميمات أكثر تعقيدا. وبرغم ذلك، قد تظل الأفكار البسيطة الأنيقة دون اكتشاف لألفية كاملة. كان البريطانيون القدامى الذين شيّدوا "ستونهنج" من الحكمة بما يكفي لتعقب الشمس ومن الذكاء بما يكفي لتحريك 20 طنا من الصخور، لكنهم لم يتخيلوا مطلقا ابتكار الدولاب. ومن المدهش أن المقاعد هي الأخرى اختراع حديث نسبيا.
وظهرت في السجلات الأحفورية أول مرة قبل أقل من 5000 سنة، بعد ظهور الزراعة والبلدات والتعدين بوقت لا بأس به، ما يعني أنها لم تتوفر لدى أسلافنا الصيادين القطافين من العصر الحجري القديم.
وحتى الوقت الحالي، لا يستخدم الهادزابيّون المقاعد. بإمكان رجال ونساء الهادزا تصنيع باقة مميزة من الأشياء، من القوس والنشاب، إلى بيوت باردة مضادة لتسريب الماء، ومواقد نار بحسب الطلب، لكنهم لا يُصنّعون الأثاث، وأقرب شيء للأثاث يمكن أن تجده في بيت نموذجي للهادزا هي جلود الحيوانات للنوم عليها تفترش الأرض.
فكيف نستريح دون مقاعد أو أي أثاث آخر؟ لقد كان الأنثروبولوجي غوردون هيوز مهتما بهذا الموضوع، نظرا لأنه قضى فترة من الزمن يُعلِّم في طوكيو أواسط خمسينيات القرن العشرين حيث شاع الجثوّ على طريقة "سيزا" كوضعية استراحة في اللقاءات الرسمية. وكان هيوز قد جمّع باقة عالمية تتألف من نحو 1000 وضعية بشرية. في المجتمعات التي يقل فيها الأثاث، وجد هيوز أن الاستراحة عادة ما تتطلب القرفصة أو الجثوّ على الأرض بوضعية سيزا، وهاتان الوضعيتان عناصرُ قديمة في التصانيف الإنسانية. فالقرفصة الحادة ترفع مشط القدم عن الأرض، لتضغط على الكاحل، العظمة الصغيرة، إلى نهاية عظمة الساق الأكبر، أي الظنبوب. وإن كررناها باستمرار، تترك هذه الوضعيات علامة على الظنبوب، تسمى الوجيه القرفصائي. وقد وجد علماء مستحاثات البشر هذه الوجيهات على أحفوريات لأسلاف البشر تضرب بجذورها إلى حقبة الإنسان المنتصب "هومو إريكتوس"، قبل نحو مليونَيْ سنة.
عند الهادزابيين، لاحظنا أن الفئات العمرية كافة تقضي كثيرا من وقت الاستراحة في القرفصة الشديدة، حيث الأكعاب على الأرض، بينما يُرخي الظهر ثقله على عقب الكاحل. إن لم تكبر وأنت تقوم بالأمر، فمن المرجّح أنك ستكون فقدت المرونة اللازمة للقرفصة بهذا الانخفاض (جرّب الأمر بنفسك).
لكن حتى وإن كان الأمر عادة مكتسبة، كما هو الحال بالنسبة للهادزابيين، فالوضعية تتطلب نشاطا عضليا أكبر من مجرد الاستلقاء في الكرسي. هنا، والحال هذه، جئنا بفرضية ثالثة حول الطريقة التي يتجنب فيها الهادزابيّون مخاطر الخمول، بدلا من تقليل مدة الجلوس أو تفتيت فترات الجلوس لنوبات أقصر، لربما كان السر في طريقة الجلوس نفسها.
مسلحين بهذه التبصرات، عدنا إلى بلاد الهادزا بعدها بعدة سنوات مع مجموعة من المجسات الدقيقة، القابلة للارتداء لتسجيل النشاط العضلي ووضعية الجسم، فاستخدمنا المجسات لقياس سلوكيات الراحة لدى 28 رجلا وامرأة من الهادزا طيلة أسبوع، وحسبنا متوسط الساعات المقضية في الخمول يوميا ووتيرة قطع الفترات الطويلة من الجلوس بالوقوف أو التجول، وأجرينا أيضا مجموعة من الدراسات المنضبطة بهدف قياس النشاط العضلي في عدد من وضعيات الراحة، ومنها القرفصة والجلوس في الكرسي.
وأدهشتنا النتائج. لقد قضى رجال ونساء الهادزا نحو 10 ساعات يوميا في الراحة، وهو رقم يكاد يكون مطابقا لأرقام الناس في الولايات المتحدة وهولندا وأستراليا. كما أن عدد فترات قطع الاستراحة كان مماثلا لذلك الموجود بين الشعوب الأخرى أيضا، فقد تنقل الهادزابيون الراشدون من وضعيات الراحة إلى وضعيات الحركة نحو 50 مرة يوميا، في توافق مع البيانات المأخوذة من الأوروبيين.
لكن مزايا الدم ومستويات ضغط الدم أظهرت أنهم يتمتعون بصحة واضحة، مع المستويات المنخفضة من ثلاثي الغليسيريد في الدم والمؤشرات الأخرى لمرض القلب. كانت صحة الهادزا أفضل بكثير من أندادهم العاملين في المكاتب في الدول الصناعية، لكن ليس لأنهم استراحوا بشكل أقل أو نهضوا لتمرين عضلات أرجلهم بشكل أكبر.
عوض ذلك كان الفارق الكبير الذي وجدناه في نشاط العضلة أثناء الراحة. القرفصة ترغمك أن تُلقي بثقل جسمك على قدميك، ما يتطلّب نشاطا عضليا يُضاهي ما بين خمسة إلى عشرة أضعاف النشاط العضلي الذي تبذله القدمان في الجلوس على الكرسي أو على الأرض، وأحيانا قد يفوق النشاط ما يمكن أن تتوقعه من الحركة المخففة.
وبالطبع، عندما أحصينا وضعيات الاستراحة المستخدمة في أرجاء المعسكر البحثي، وجدنا أن نساء ورجال الهادزا كانوا يقرفصون ويجثون ثلث هذه المدة الزمنية. عند أخذ هذه الأدلة معا، فإننا نعتقد أن استخدام وضعيات "الراحة النشطة"، مثل القرفصة والجثوّ، قد يحافظ على نشاط عضلي كافٍ يحول دون تراكم ثلاثي الغليسيريد ويُجنّبنا المرض. إن كان أسلافنا قد استخدموا هذه الوضعيات أيضا من الراحة النشطة، فإن الآثار السلبية للجلوس تصبح معقولة، ذلك أن بنيتنا الجسدية لم تختبر قط فترات مطولة من خمول العضلات، وعليه فإن أجسادنا لم تتطور مطلقا استجابة دفاعية.
وفي النهاية كيف يمكننا أن نلوم أوناواسي، أو أي شخص، لرغبته بالجلوس في مقاعد معسكرنا؟ لقد أردناها للأسباب ذاتها: المقاعد مورد من موارد الترف، يسمح لنا أن نريح عضلاتنا المتعبة. لقد سلب بريق المقعد الجيد انتباهنا الجماعي منذ دخوله عالمنا المادي. غير أن المقاعد، عندما ابتُكرت، سمحت لنا أن نستريح بأساليب جديدة مقارنة بغيرها على الجسد البشري، وفي هذه الجِّدة تكمن الفتنة والخطر.
هل علينا أن نتخلّى عن مقاعدنا؟ ما لم تكن تمارس القرفصة منذ سن الطفولة، فإن إجبار نفسك على القيام بالأمر سيُسبّب الألم والانزعاجات. كما أن رجال ونساء الهادزا يقضون كثيرا من وقت راحتهم في وضعيات من قبيل الجلوس والاستلقاء التي تتضمن النشاط العضلي المخفف. لذا ربما لا يتعيّن علينا أن نهجر الجلوس ككل، لكن عملنا يُشير إلى أن بإمكانك تحسين صحة قلبك بالتقليل من الجلوس، وعبر قطع فترات جلوسك إلى نوبات أقصر زمنا بهدف زيادة النشاط العضلي على مدار اليوم. ومثلما يُخبرنا الأصدقاء الهادزابيون، فالعضلات الخاملة عدوّ لنا. لذا، وفيما نحن نأوي إلى منازلنا، ونعمل من البيت ونشاهد التلفاز أكثر من أي وقت في السابق، فلنحاول تقسيم وقت الأريكة إلى فترات أقصر. فانهض، وتحرّك في الأرجاء، وإن كنت ضعيفا وشعرت بالإقدام على تشغيل نتفليكس، حاول القرفصة مثل الهادزابيين، في وضعية الراحة النشطة، وانظر كيف يُكافئك قلبك لذلك.
فرح عصام