الفن حين يواجه موروث الطبقية في موريتانيا

9 أبريل, 2019 - 11:41

الترانيم“ كلمة تحيل الذهن تلقائيًا إلى رحلة وجدانية، يغيب معها المترنم إلى براح تمتزج فيه إبداعات الصوت والموسيقى، ومع أنها غريبة على نحو ما عن الثقافة الموريتانية، لتماسها في الذاكرة مع بعض طقوس الديانة المسيحية، إلا أنها كممارسة ضاربة في عمق تاريخ البلاد.

وظلت الترانيم مرتبطة بطبقة اجتماعية معينة هي ”لحراطين“ أو العبيد السابقون؛ إذ تختزن ذاكرة طفولة جلّ الموريتانيين تفاصيل أماسي البدو، خلال جلسات للترنم في رحاب سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تحت ضوء القمر، ومن هذه الفئة برزت مجموعة من الشباب خرجت على النسق التقليدي لمحاربة الطبقية، منتهجة أسلوبًا جديدًا لإرساء قواعد التعايش في ظل التنوع الثقافي، عبر الفن.

مركز ترانيم للفنون الشعبية، هذا هو الاسم الذي اختاره محمد عالي ولد بلال، الشاب الأسمر الحالم بوطن يتجاوز طلاسم التقوقع الاجتماعي، نحو الاعتزاز بالهوية المشتركة.

تأسس المركز خلال صيف 2014 بمجموعة من الشباب، تنتمي لمختلف الانتماءات الفكرية، وجلّهم من طبقة لحراطين.

ويقول محمد عالي بلال إن ”مؤسسته الثقافية تهتم بإحياء الموروث الفني الشعبي الموريتاني، من أجل إعادة الاعتبار لهذا الموروث وممارسيه عن طريق إيجاد منبر حر“.

مديح رمضاني

يركز ترانيم على المدح النبوي الشريف من خلال تنظيم مهرجان ”ليالي المدح“ كل رمضان، إذ يتنادى ”مداحة“ من مختلف أنحاء البلاد للتشارك والتنافس طيلة أسبوع كامل في العاصمة نواكشوط. وهو حدث موسمي هو الأول من نوعه في موريتانيا.

ويعكف المركز حاليًا على إنتاج أول ألبوم غنائي للمدح، وسيصور الألبوم بسبع ولايات هي المناطق التي ينحدر منها المغنون بالألبوم؛ وذلك بغية التعريف بالظروف التي نشؤوا فيها، والبيئة التي جعلتهم يتذوقون الموسيقى وينتهجون الغناء، كأسلوب للتعبير عن مكنونات قد لا تجد آذانًا صاغية خارج دائرة الفن.

ويقول بلال: ”إن مركز ترانيم للفنون الشعبية، ليس مجرد مساهمة في إرساء مقاربة الفن في خدمة حقوق الإنسان فحسب، بل إن من بين أهدافه الأساسية تحفيز الشخصيات الوطنية وأرباب العمل، على المساهمة في دعم ومناصرة الفنون الشعبية“.

النيفارة

رؤية المركز كما يقول رئيسه بلال، تعتمد حفظ واستدامة الفنون الشعبية من أجل التعريف بها. وقد أطلق بعد أشهر قليلة على تأسيسه برنامج ”النيفارة“.

والنيفارة هي آلة موسيقية تقليدية ذات نبرة حزينة في الغالب. ويسعى المركز من خلال البرنامج، إلى دمج هذا اللون الموسيقي في الإيقاعات العصرية، التي تجذب الشباب الموريتاني.

وقديمًا كانت النيفارة تحتل مكانة محورية في الفلكلور الشعبي الموريتاني، من خلال إنعاش السهرات الفنية والاجتماعات القبلية، وحتى حفلات استقبال الضيوف القادمين من مناطق أخرى، وهي آلة موسيقية تقليدية تصنع بوسائل بدائية، إذ ترتكز على عمود من الحديد يبلغ طوله نحو متر واحد، يطمح مركز ترانيم لتنظيم دروس جماعية لتعليم كيفية العزف على آلة النيفارة، التي أصبحت معرضة للاندثار حسب محمد عالي بلال.

بالإضافة إلى نظامه بخصوص السعي إلى دعم وتفاعل مختلف الأوساط الثقافية والاجتماعية على المستوى الوطني، سبق للمركز أن شارك في العديد من المهرجانات والمنتديات الثقافية لتنفيذ بعض المشاريع المدعومة من طرف هيئات عربية أو إقليمية، من بينها ”المورد الثقافي“ و“الصندوق العربي للثقافة والفنون“.

ويرى مراقبون للمشهد الثقافي في موريتانيا أن تجربة مركز ترانيم للفنون الشعبية، تعد خطوة ستساهم في تضييق الهوة بين الشباب من مختلف مكونات الشعب، في بلد يفتقد أماكن للترفيه أو صالات للعروض أو حتى ساحات خضراء؛ ما سيساهم في تفريغ الطاقات الشابة في فضاءات فنية بعيدًا عن الانجراف الفكري الذي أصبح يهدد المنطقة.

" شبة ارم انيوز"