عند السوق المركزي في العاصمة الموريتانية نواكشوط، يعبر بائع الخبز التقليدي عالي ولد أمبارك بين السيارات والمارة في اتجاه شوارع السوق وأرصفته، حاملاً خبزه فوقه رأسه. مع ذلك الخبز، يحمل أملاً كبيراً ببيع كلّ ما لديه والعودة سريعاً إلى المخبز للحصول على كميات أخرى.
في وقت متأخر من الليل، يتوجه ولد أمبارك إلى أحد المخابز القريبة من السوق المركزي في نواكشوط، حيث يعمل لساعات طويلة. هو يشتغل في إعداد الخبز التقليدي، الأمر الذي يراه "شاقاً"، لا سيّما أنّ "العاملين في هذا المجال يعانون من جرّاء السهر طويلاً وكذلك من محدودية الدخل، على الرغم من أنّ إنتاجنا مطلوب". ويتحدّث ولد أمبارك لـ"العربي الجديد" عن "معاناة أخرى، هي حمل الخبز لبيعه في أماكن متفرقة من العاصمة، لكسب قوتنا اليومي. وربحنا لا يتجاوز أحياناً 1500 أوقية (نحو خمسة دولارات أميركية) يومياً".
بدوره، يحكي سيدي عالي ولد الشيخ عن "معاناة باعة الخبز التقليدي الكبيرة والتي تتعدد أشكالها، فنحن نعاني من مضايقات السلطات أحياناً، ومن تعامل الزبائن الخشن معنا". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "العاملين في الأسواق ينادوننا ويطالبوننا بالإسراع في تلبية طلباتهم، مستخدمين أحياناً كلمات نابية. وكلّ واحد يريد خبزه قبل الآخر، فيجد البائع نفسه ضحية الجميع". ويتابع: "نحن نتعرّض لمضايقات من أصحاب السيارات والعربات، وكذلك من الشرطة التي تطردنا من الشوارع حيث نعرض خبزنا على طاولات في بعض الأحيان. وهو الأمر الذي يحتّم علينا البيع سيراً على الأقدام. بالتالي، يشعر بائع الخبز بأنّه في سباق ماراثوني في الشوارع والأزقة وأحياء الصفيح، لتوصيل الخبز إلى الزبائن بعدما منعته الشرطة وعمال البلدية من عرضه".
ويؤكد محمود ولد باب أحمد، كلام ولد أمبارك وولد الشيخ، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "باعة الخبز التقليدي في نواكشوط يعانون من صعوبة إعداده التي تتطلب السهر والصبر، في حين أنّ المعاناة تزداد مع عملية البيع التي تتطلب مزيداً من الجهد وتحمّل السير على الأقدام لمسافات طويلة، بالإضافة إلى التغاضي عن المضايقات التي تأتي من خلال ألفاظ جارحة وغيرها". ويشرح ولد باب أحمد أنّ "ثمّة عوامل عدّة تتداخل هنا، منها ضعف الدخل وبدائية الوسائل ومضايقة الناس ونظرتهم الدونية"، مشدداً على أنّ "بائع الخبز يتعب في سبيل تحصيل قوته اليومي من عرق جبينه، من دون أن يستعطي الناس".
والخبز التقليدي الذي يُعرف محلياً بـ "أمبور لحطب" يُصنع بطريقة خاصة في مخبز تقليدي من الطين. ويشرح ولد أمبارك أنّه "يصار إلى إشعال الحطب، بينما يكون العمّال قد بدأوا في تهيئة الفارين (الطحين) في انتظار تحوّل الحطب إلى جمر. عندها، يدخلون العجين بطريقة معينة حتى ينضج". في السياق، يلفت ولد الشيخ إلى أنّ "باعة الخبز التقليدي يعانون من ارتفاع أسعار مادة الفارين وندرة الحطب، مع غلاء المتوفّر من حطب في العاصمة نواكشوط، بالإضافة إلى غياب التنظيم وفوضوية المخابز في البلاد بشكل عام". ويرى أنّ "ثمّة تقاعساً من قبل الحكومة في ما يتعلق بمساعدة باعة الخبز التقليدي، من خلال توفير مخابز عصرية ملائمة، أو خفض سعر مادة الفارين".
تجدر الإشارة إلى أنّ باعة الخبز التقليدي في موريتانيا يتمسّكون بمهنتهم على الرغم من الصعاب ومحدودية الدخل، ويأتي ذلك في حين يفضّل موريتانيون كثر الخبز التقليدي على أنواع الخبز الأخرى. إلى ذلك، يشكو باعة الخبز التقليدي من إنشاء التجّار مخابز عصرية في كل أنحاء البلد، ويرون في ذلك محاولة للإجهاز على مهنتهم التقليدية والترويج للخبز العصري في حين أنّ الناس يميلون إلى التقليدي.
ويتّهم باعة وصنّاع الخبز التقليدي اتحادية المخابز بمحاولة التضييق عليهم عبر حصر اهتمامها بالمخابز العصرية والحلويات بكل أشكالها. من جهتها، تشير الجمعية الموريتانية لحماية المستهلك إلى أنّ باعة خبز وملاك مخابز كثيرين يعمدون إلى رفع الأسعار، الأمر الذي يجعل المواطنين يعانون من الغلاء. وتطالب الجمعية الحكومة الموريتانية بعملية حاسمة لضبط أسعار الخبز وفرض رقابة على الأوزان والجودة
نقلا عن العربي الجديد