يشكل قطاع الصيد البحري الركيزة الأساسية للثروة الطبيعية في موريتانيا حيث يمثل ربع رأس المال الطبيعي للبلد. وقدرت قيمة هذا القطاع السنة الماضية بعشرة مليارات دولار وهو ما يمثل 2800 دولار للفرد.
وتعتبر موريتانيا إحدى الدول المهمة في مجال الصيد البحري لما تتوفر عليه من ميزات طبيعية جعلتها في مصاف البلدان المنتجة للأسماك، فقد حباها الله بشاطئ ممتد على المحيط الأطلسي بطول 650 كلما، وتتلاقى في مياهها الإقليمية التيارات البحرية الدافئة والساخنة الأمر الذي هيأ لمياهها أن تكون مأوى لكثير من الأسماك والأحياء المائية التي تهاجر في معظم فصول السنة من مناطق أخرى للحياة والتكاثر في مياهها الفريدة من نوعها.
وسبب تلاقي التيارات هو وجود جرف قاري عريض يصل إلى (80) ميلا في بعض أبعاده يهيئ توافر كميات كبيرة من الأسماك ذات الجودة العالية طوال فصول السنة، إلى جانب وجود بيئة بحرية في قاع المحيط ملائمة لغذاء وتوالد الأسماك.
وتمثل الأسماك 58٪ من صادرات موريتانيا كما أن عائدات بيعها تمثل 10٪ من الناتج المحلي القومي و29٪ من الميزانية ونحو نصف مصادر العملة الصعبة، وتملك موريتانيا 18٪ من إنتاج الأسماك العربية لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بعد المغرب ومصر وفي الوقت نفسه تعد أكبر مصدر عربي للأسماك بنحو 44٪.
تحديات الإفراط
تعترض قطاع الثروة البحرية في موريتانيا تحديات كبيرة للغاية في مقدمتها ما ينتظر هذا القطاع من إفراط في الإستغلال، فهناك عينات أصبحت شبه مكتسحة بالكامل، مع أنه من المتوقع أن يؤدي الإفراط في الإصطياد على المستوى العالمي لرفع قيمة الموارد المتبقية.
ويظهر ذلك أهمية الإدارة المنضبطة لقطاع الصيد وتخصيص موارد معتبرة لتنظيم هذا القطاع الحيوي، فبدون مراقبة فعالة وعقوبات رادعة فإن الإفراط في اصطياد العينات الغالية مثل الأخطبوط سيعرقل آليات تكاثر الثروة البحرية للبلد.
وفي هذا الصدد تؤكد تقديرات فنية أخيرة للمعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد وتقديرات أخرى للجنة الصيد للوسط الشرقي للأطلس التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «أن هناك عينات كثيرة مهددة بالصيد المفرط على مستوى المنطقة البحرية الموريتانية».
وتؤكد هذه التقديرات أن قيمة قطاع الصيد الموريتاني التي قدرتها إحصائيات عام 2013 بعشرة مليارات دولار، ستشهد نضوبا بإيقاع سنوي يقدر بـ 390 مليون دولار.
ويتوزع قطاع الثروة السمكية في موريتانيا بين صيد تجاري يستوعب 90 في المئة من مجمل القطاع وصيد تقليدي يستوعب 10 في المئة.
ويساهم قطاع الصيد البحري بنسبة 3 في المئة في الناتج الداخلي الخام.
وتمثل عائدات اتفاقيات الصيد الدولية نسبة 20 في المئة من العائدات العمومية وهي نسبة ظلت ثابتة في السنوات السبع الأخيرة.
البداية والتطورات
لم تدرك موريتانيا أهمية ثروتها البحرية كمورد اقتصادي كبير، إلا في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وشكلت سنة 1979 لجنة وضع أول سياسة للصيد بيد أن تطبيق هذه السياسة وسط سياق يتسم بعدم الخبرة في ميدان الاستصلاح وجهل بالمقدرات البحرية وعدم وجود بنى تحتية ومرافق مناسبة في بلد ليست له تقاليد بحرية، كل هذا لم يسمح بالتوصل باكرا للنتائج المرجوة.
وفي 1985 قامت الحكومة الموريتانية بدعم من شركائها فى التنمية بجهود متواصلة لوضع تصور وتنفيذ سياسة قطاعية منسجمة في قطاع الصيد .
وجاء بيان تنمية القطاع المصادق عليه سنة 1987 وبيان سياسة تنمية القطاع المصاغ سنة 1994 ليشكلا مرحلة انتعاش أولى للقطاع، حيث مكنت هاتان الوثيقتان من تحقيق نتائج هامة بينها توفير أسطول بحري وطني يملكه مقاولون خصوصيون وإنجاز بنى تحتية وتكوين يد عاملة بحرية.
سياسة أخرى
ومراعاة من الحكومة لهذه النتائج الإيجابية، قامت أثناء الاجتماع الثالث للمجموعة الاستشارية الخاصة بموريتانيا المنعقد في باريس في اذار/مارس 1998 بتحديد المصاعب والمعوقات التي تعترض قطاع الصيد وذلك ضمن الوثيقة التوجيهية حول القطاع المقدمة إلى الاجتماع.
وساهمت هذه الإستشارة نهاية 1998 في تحديد المحاور الكبرى لاستراتيجية الاستصلاح والتنمية الخاصة بقطاع الصيد والاقتصاد البحري التي تضمنت ملاحظات شركاء التنمية.
كما مكن تطبيق هذه الاستراتيجية من دخول القطاع مرحلة انطلاق تتميز بتسيير عقلاني للموارد واندماج أكبر في الاقتصاد الوطني.
سياسة الدمج
نهجت الحكومة الموريتانية عام 1989 سياسة دمج قطاع الصيد في الاقتصاد الوطني للبلاد فأنشأت شركات للصيد البحري وأقامت مصانع لتجميد وتخزين الأسماك، كما تم سن القوانين والتشريعات التي تنظم استغلال هذه الثروة الوطنية الكبيرة كما تم تشجيع القطاع الخاص على حيازة بواخر للصيد الكبير ونتج عن ذلك ارتفاع قيمة صادرات البلاد من الأسماك من مليار واحد من الأوقية سنة 1989 إلى 30 مليار أوقية سنة 1996.
ومنذ ذلك الحين أصبح قطاع الصيد البحري أحد أهم القطاعات المشاركة في تنمية البلاد وحصولها على العملات الصعبة على الرغم من محدودية الإمكانيات التصنيعية لدى موريتانيا وما تواجهه ثروتها من نهب من طرف أساطيل أجنبية يتم تصدير ملايين الأطنان سنويا إلى جميع أنحاء العالم، فإضافة إلى الصين واليابان فإن الإتحاد الأوروبي يعتبر المستورد الرئيسي للأسماك الموريتانية بحوالي 7340 طن في السنة.
الشريك الأكبر
وترتبط موريتانيا والاتحاد الأوروبي حاليا باتفاق في مجال الصيد يجعله أكبر شريك لها في هذا المجال.
ويسمح هذا الإتفاق للسفن الأوروبية باصطياد حصة من الأسماك السطحية تبلغ 300 طن ، إضافة إلى سبعة أطنان من الجمبري وبعض عينات الأسماك الأخرى مقابل استفادة الخزينة الموريتانية من مبلغ 222 مليون يورو لفترة الاتفاق التي تمتد على سنتين.
ويحدد الإتفاق مناطق الصيد المسموح بها شمال المياه الموريتانية على بعد 20 ميلا بحريا وقرابة 19 ميلا في المنطقة الجنوبية.
كما يستثني صيد الأخطبوط الذي أصبح صيده محصورا على الأسطول الوطني الموريتاني.
وحدد الاتفاق الحالي نسبة الموريتانيين في مجموع الطواقم العاملة في السفن الأوروبية بـ 60 في المئة.
ثروة هائلة لكن
ويؤكد آخر تقرير ينشره البنك الدولي «أن موريتانيا تعتبر مياهها الإقليمية من أغنى مياه العالم بالأسماك» مع أنها ليست في الواقع مصدرا كبيرا للمنتوجات البحرية إذ لا يتجاوز تصديرها 1 في المئة من مجمل المصدر عالميا.
وتنطلق موريتانيا في نظرتها لحجم ثروتها البحرية من اعتبارين أولهما أن ضخامة الثروة البحرية تؤكد أنه بإمكان قطاع الصيد أن يدعم الأمن الغذائي المحلي وأن يساهم في حل مشكلة التشغيل إذا وضعت لذلك سياسات محكمة.
أما الإعتبار الثاني فيتأسس على أهلية قطاع الصيد لجذب المستثمرين وجذب الحكومات الأجنبية المستعدة لتسديد حقوق الصيد التي تشكل موردا هاما من موارد الضرائب.
وأوصى تقرير البنك الدولي الحكومة الموريتانية بـ «إتقان وضع وتنفيذ سياسات خاصة بهذا القطاع بما يضمن طول أمد استغلاله ولينعكس ريعه بصورة إيجــابية ومستـــ مرة على التشغيل وعلى الأمن الغذائي وعلى العائدات العمومية وعلى معدل النمو بشكل عام».
ويتطلب تحقيق كل هذا القيام باستغلال معقلن للثروة البحرية يحافظ في وقت واحد على الوسطين البيئي والبحري.
«القدس العربي»