حكم الوضوء بالماء الفاضل عن وضوء المرأة

1 يناير, 2017 - 23:50

السؤال : روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا . أما الإمامان أبو داود والنسائي في سننهما فقد رويا عَنْ رَجُلٍ صَحِبَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ اَلْمَرْأَةُ بِفَضْلِ اَلرَّجُلِ , أَوْ اَلرَّجُلُ بِفَضْلِ اَلْمَرْأَةِ , وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعًا . والحديث صححه الإمام الألباني طيب الله ثراهم جميعا . وَلِأَصْحَابِ " اَلسُّنَنِ " : اِغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَفْنَةٍ , فَجَاءَ لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا , فَقَالَتْ لَهُ : إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا , فَقَالَ : "إِنَّ اَلْمَاءَ لَا يُجْنِبُ" . ومن المعروف أن الأحاديث إذا صحت فلا تعارض بينها ، ولكني أسأل فضيلتكم الشرح والإيضاح.

الجواب :

الحمد لله

الأحاديث الواردة في هذا الباب على وجهين :

الوجه الأول :

أحاديث تدل على جواز أن يتوضأ أو يغتسل الرجل بفضل وَضوء المرأة ، وهو ما يتبقى من الماء في الإناء الذي توضأت منه ، وقد أخذ بهذه الأحاديث جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد . قال ابن قدامة : "اختارها ابن عقيل ، وهو قول أكثر أهل العلم" انتهى . "المغني" (1/136) .

وقد ذكر السائل بعض هذه الأحاديث ، ومنها أيضا :

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ ، فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولَ : دَعْ لِي . دَعْ لِي . قَالَتْ : وَهُمَا جُنُبَانِ) رواه البخاري (250) ومسلم (321) واللفظ له .

قال الإمام الشافعي رحمه الله :

"لا بأس أن يتوضأ ويغتسل بفضل الجنب والحائض ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل وعائشة من إناء واحد فقد اغتسل كل واحد منهما بفضل صاحبه" انتهى .

"الأم" (8/98) . وانظر من كتب الحنفية : "رد المحتار" (1/133) .

الوجه الثاني :

أحاديث تنهى عن ذلك ، وقد أخذ بها ابن عمر فنهى عن فضل المرأة إذا كانت جنبا أو حائضاً ، وأخذ بها مطلقاً الحسن البصري وسعيد بن المسيب ، كما في " مصنف ابن أبي شيبة " (1/47-49) .

قال ابن حزم في "المحلى" : "بهذا يقول عبد الله بن سرجس والحكم بن عمرو , وهما صاحبان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبه تقول جويرية أم المؤمنين ، وأم سلمة أم المؤمنين ، وعمر بن الخطاب , وقد روي عن عمر أنه ضرب بالدرة من خالف هذا القول" انتهى .

وأخذ بهذا القول الحنابلة في المعتمد من مذهبهم ، كما في "كشاف القناع" (1/37) .

ومن هذه الأحاديث : الحديث الذي ذكره السائل ، وأيضاً :

عن الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : (نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة) رواه أبو داود (82) ، والترمذي (68) وقد اختلف العلماء في تصحيح هذا الحديث ، فحسنه الترمذي ، والألباني في "صحيح أبي داود" .

وضعفه الإمام البخاري ، وابن عبد البر في "الاستذكار" (1/209) فقال : مضطرب لا تقوم به حجة . وقال النووي في "الخلاصة" (1/200) : ضعيف . وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" (1/149) : ليس بصحيح .

وقد أجاب النووي عن هذه الأحاديث بقوله :

" وأما حديث الحكم بن عمرو : فأجاب أصحابنا عنه بأجوبة :

أحدها : جواب البيهقي وغيره أنه ضعيف , قال البيهقي , قال الترمذي : سألت البخاري عنه فقال ليس هو بصحيح , قال البخاري : وحديث ابن سرجس الصحيح أنه موقوف عليه ومن رفعه فقد أخطأ , وكذا قال الدارقطني : وقفه أولى بالصواب من رفعه وروي حديث الحكم أيضا موقوفا عليه , قال البيهقي في كتاب المعرفة : الأحاديث السابقة في الرخصة أصح فالمصير إليها أولى .

الجواب الثاني : جواب الخطابي وأصحابنا : أن النهي عن فضل أعضائها ، وهو ما سال عنها , ويؤيد هذا أن رواية داود بن عبد الله الأودي ، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري ، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل , أو يغتسل الرجل بفضل المرأة) يُحمَل على أن المراد ما سقط من أعضائها , ويؤيده أنا لا نعلم أحدا من العلماء منعها فضل الرجل , فينبغي تأويله على ما ذكرته ... يحملنا على ذلك أن الحديث لم يقل أحد بظاهره ، ومحال أن يصح وتعمل الأمة كلها بخلاف المراد منه .

الجواب الثالث : ذكره الخطابي وأصحابنا : أن النهي للتنزيه جمعاً بين الأحاديث" انتهى باختصار .

"المجموع" (2/221) .

وهذا الجواب الثالث الذي هو المعتمد ، أن النهي في الأحاديث ليس للتحريم ، فالأفضل للرجل أن لا يتوضأ بفضل طهور المرأة ، ولكنه إن فعل فهو جائز .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"والصحيح أن النهي في الحديث ليس على سبيل التحريم ، بل على سبيل الأولوية وكراهة التنزيه ...

فالصواب : أن الرجل لو تطهر بما خلت به المرأة ، فإن طهارته صحيحة ويرتفع حدثه ، هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله" انتهى من الشرح الممتع" (1/46) .

والله أعلم .

اضغط هنا لقراءة الموضوع في مصدره