الكتاب المدرسي بين الأمس واليوم والغد/ عثمان جدو

23 أكتوبر, 2016 - 19:42

لقد بدأت مراحل الكتاب المدرسي بالاعتماد على كتب مدرسية أجنبية ( عربية، إفريقية، فرنسية) خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وتم الاعتماد على هذه الكتب ردحا من الزمن؛

 

وبعد تجاوز تلك الفترة انصب التركيز على إنتاج كتب وطنية تُطبع عادة في الخارج ( العراق والكويت)، الشامل، مثالا؛ في الثمانينيات.

 

وفي سنة 1988 أُنشئت مطبعة مدرسية وطنية؛ تابعة للمعهد التربوي الوطني؛ كان لها إسهام كبير في توفير الكتاب المدرسي الوطني من خلال طباعة ما أمكن طبعه من عناوين مدرسية محليا والتقليل من تكاليف الطباعة في الخارج؛ 

 

بدأت هذه المطبعة-المتواضعة- سنة 1990 بالشروع الفعلي في طباعة الكتب، واعتمدت في طورها الأول على تمويلات ودعم صناديق وبرامج إنمائية عربية وأجنبية؛ وظلت تضطلع بدورها في توفير الكتاب المدرسي رغم شح الموارد وبدائية الوسائل؛

 

ومع التطور الكمي والنوعي الذي عرفته المنظومة التربوية خلال التسعينيات أصبح من الضروري استحداث وسائل وأدوات قادرة على مواكبة التحولات المتلاحقة وسد الثغرات الملاحظة؛ وعلى هذا الأساس ظهرت الحاجة الماسة إلى تطوير وحدة المطبعة المدرسية بالمعهد التربوي الوطني (الرافد الأساسي للكتاب المدرسي) لكي تستجيب لتحديات هذه المرحلة؛ الصعبة كما وكيفا؛

 

ولقد تم العمل -في مابعد- على ذلك بالاعتماد على جهود ودعم خارجي أساسا؛ وبدعم حكومي-آنذاك- ظل مشكورا وإن كان خجولا في مستواه ومعناه. 

 

إن أكبر دعم حكومي للكتاب المدرسي؛ منذ الاستقلال وحتى اليوم هو ذاك الدعم الذي تم اعتماده هذا العام-2016- من خلال المرسوم 0173/ 2016 الصادر بتاريخ: 27/ 09/ 2016؛ القاضي بإنشاء صندوق لدعم النشر المدرسي؛ بغلاف مالي معتبر خُصص لذلك من ميزانية الدولة لمدة سنوات، وسيستعيد المعهد التربوي الوطني-بإذن الله- دوره الريادي في التكفل بتوفير الكتاب المدرسي وإيصاله إلى يد كل تلميذ؛ وإعادة جريان المياه الثقافية التي نضبت بفعل السنوات الماضية (سنوات تجفيف المنابع التربوية) ، وستتوفر الدعامة العلمية من خلال إغراق الأكشاك بالكتب المدرسية؛ ومعروف أن هذه الكتب هي التي تقف عليها دعائم المنظومة التربوية، ومن خلال هذه الخطوة سيتم القضاء على السوق الموازية(السوق السوداء)؛ التي يستغل روادها اليوم فرص بيع الكتب بأسعار باهظة؛ وهي التي حصلت على هذه الكتب بطرق مشبوهة؛ كانت شمولية ومجانية التوزيع الماضية هي الرافد الأساسي لتغذيتها؛ بفعل عدم تورع بعض المسؤولين عن المتاجرة والسمسرة وإن على حساب زهور الحاضر، وأفراس رهان المستقبل، وحملة مشعل البناء لدولة الغد، وذخيرتها لقابل الأيام!؟؛ 

 

إن الإهمال الحاصل من طرف الأهالي والتلاميذ تجاه الكتاب المدرسي كان مؤداه الأساسي هو اعتماد ذهنية هؤلاء في تفاعلاتهم مع كثير من الأمور على ماديات الأشياء! ، وحسبك من مشاهد الإهمال أن ترى أوراق الكتب تتناثر في الشوارع والفيافي؛ في البوادي والأرياف بعد توزيعها ببضع أسابيع، والذي يؤسف عليه أكثر كونها تحمل نص كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-.

 

من الملاحظ أن إدارة المعهد التربوي الوطني الحالية قامت باستحداث مستجدات على مختلف الصُّعد بالتنسيق-طبعا- والتفاعل التام مع الوزارة، ويُذكر من ذلك استحداث ميزانيات تسيير للإدارات الجهوية لأول مرة في تاريخ المعهد التربوي الوطني بالإضافة إلى إعادة هيكلة المعهد التربوي الوطني بما يتماشى مع التطورات الحاصلة في المنظومة التربوية بشكل عام والمعهد التربوي بشكل خاص وإعادة توزيع المستحقات المالية بالتساوي بين أصحاب الدرجة الواحدة سواء كان محل عملهم في الإدارة المركزية أو في الإدارات الجهوية (رؤساء الأقسام نموذجا)، 

 

إن الإجراءات الفنية المتخذة من أجل وصول الكتاب المدرسي إلى يد كل تلميذ؛ أكملت طورها النهائي مما يعني أن الكتاب المدرسي سيصل يد التلميذ بحر الأسبوع المقبل؛ على أبعد تقدير. 

 

كلنا يعرف أن ما تحتاجه المنظومة التربوية -في المستقبل- هو مواصلة دعم النشر المدرسي باختصار لأن كل دعائم المنظومة التربوية تذوب من أجل إيصال الدعامة العلمية الموجودة بين دفتي الكتاب المدرسي إلى ذهن التلميذ بالصورة السليمة، وعلى هذا الاعتبار فإنه من الضروري؛ التفكير الجاد -في اقتناء مطبعة قادرة على تلبية الحاجة الوطنية من الكتب دون اللجوء إلى الخارج لأن الكتاب المدرسي باختصار رمز من *رموز السيادة* ومحتواه هو المُوَّجِهُ الحقيقي لعقول رجال المستقبل؛ 

 

إن امتلاك مطبعة من نوع *روتاتيف* حجم متوسط، والتي تكلف قرابة 900 مليون أوقية كفيلة بتلبية حاجة البلاد من الكتب إلى الأبد -مادامت موجودة- وهي التي تصل طاقة سحبها أربعة ملايين كتاب سنويا؛ في حين أن حاجة البلاد لا تصل إلى مليونين من الكتب المدرسية؛ مما يعني أنه في حال اقتنائها ستكون البلاد أمام فرصة استثمار كبيرة بعد الاكتفاء الذاتي طبعا، فمن خلال اقتناء طابعة من هذا النوع الذي تخلو منه دول محيطنا العربي والإفريقي إلا من اثنتين أو ثلاثة؛ سنكون محط انظار الدول المجاورة الكثيرة التي تعاني صعوبات الطباعة والنشر وسنكون قادرين على طباعة كل الوثائق بما في ذلك بطاقات الانتخاب -مثلا- ، ومعروف أن هذه القيمة المادية الكافية لجلب هذا النوع من المطابع هي التي غالبا ما يُدخِل القضاء عندنا أحد مسؤولي الصرف بسببه السجن بعد اصطلامه لخرينة ودفنها في مزارع وحقول أو منازل وسيارات أو في أفراح وسهرات!؟.