قام المغرب بعمليات أمنية وقائية واحترازية في منطقة الكركارات التي تقع خلف الجدار الدفاعي في اتجاه الحدود المغربية الموريتانية؛ حيث قام بتمشيطها وتطهيرها من مخلفات التهريب، عبر إخلائها من عربات متخلى عنها، أو قيد التزوير، أو معدة لتفويتها لجهات مشكوك في نواياها ومخططاتها، كما بدأ في تعبيد مسافة من الطريق تخترق المنطقة كانت تعيق مرونة حركة نقل البضائع والمسافرين.
غير أن التحرك المغربي ووجه برسائل احتجاج وتظلمات من جبهة البوليساريو إلى الأمين العام للأمم المتحدة برفض العملية، واعتبارها خرقا لوقف إطلاق النار. ووصل الأمر إلى طلب فينزويلا، وهي عضو مؤقت داخل مجلس الأمن، اجتماع طارئ للأخير لتدارس الوضع الجديد الذي تتظلم منه البوليساريو.
إلا أن المفاجأة، بمثابة صدمة وقرف للبوليساريو، تمثلت في نفي الأمانة العامة للأمم المتحدة والمينورسو رصدهما أو علمهما بأي خرق لوقف إطلاق النار، خلافا لادعاءات البوليساريو، فدعا مجلس الأمن بالتالي، في اجتماع مغلق، على مزيد من التحقيق والتحري في الموضوع.
وهو ما أجبر البوليساريو على اتخاذ خطوة البحث، وتوفير حجة تثبت بها صحة تجاوز القوات الحربية المغربية الجدار الدفاعي الذي كانت تتمركز فيه، عبر إرسالها لرتل عسكري إلى منطقة الكركرات حيث تجري عمليات تعبيد المغرب لتلك الطريق، تحت حراسة القوات المغربية، ومنعها من التقدم ومواصلة أشغالها، وفرضت بذلك واقعا جديدا على المغرب وعلى الأمم المتحدة، على السواء.
تولد عن الوضع القائم الجديد مستجد آخر، هو تحرك الأمم المتحدة عبر المينورسو إلى عين المكان؛ حيث عاينت صحة وجود قوات مغربية وأخرى للبوليساريو مرابطتين بالقرب على مسافة قريبة بينهما. وهو حالة تنذر بالتصعيد، ومن المحتمل خروج الأمر عن زمام السيطرة وانتقاله إلى صراع، ولو بسبب مزاج عنصر من العناصر المرابطة بالمكان.
ذلك ما جعل بان كي مون يطالب بتوقيف كل عمل يؤثر على الوضع القائم، وسحب كل العناصر المسلحة درء لمزيد من التصعيد، واحترام ترتيبات وقف إطلاق النار الذي يمنع أي توغل في الشريط الفاصل، والدخول في مفاوضات لتهدئة الوضع وحل النزاع العارض.
غير أن السؤال الذي يحتاج إلى جواب أمام امتحان القوة، بغض النظر عن مخارجه المُحتملة، لا يكمن في إعطاء، أو شرح، أو تأكيد لأحقية المغرب في المنطقة من عدمها؟ وهل يعتبر تصرفه خرقا لوقف لإطلاق النار أم لا؟ وما طبيعة تلك المنطقة؟ ومن يسيطر عليها؟ ولماذا بقيت بدون حيازة مادية وفعلية بالضم والسيطرة؟ فتلك أسئلة إنكارية، لأن الجميع يدرك تقابل حجج الأطراف وتناقضها.
بل إن السؤال يكمن في دواعي وأسباب التحرك المغربي؟ وعلى أي أساس؟ وهل أعد خطة محكمة لهذا التحرك أم لا؟ وهل تم بحثها وتمحيصها وتدقيقها؟ واستحضار حسابات البوليساريو ودول الجوار؟ أم رد فعل آني استدعته ظروف طارئة؟ والأهم من كل هذا وذاك، هل تحقق جزء ومكسب من الخطوة؟ أم فشلت وزادت الأمور تعقيدا؟
إن التعقيد الجديدة تجلى في أن البوليساريو تمكن، ومن موقع المستجيب، من فرض خطة، تدارستها قيادته في اجتماعين أو ثلاث، على المغرب وعلى الأمم المتحدة، على السواء! فإن كانت مآرب المغرب إنزال العلم الموريتاني من لكويرة، وتجسيد مغربيتها، فإن شيئا من ذلك لم يقع، ولم يسع إليه من أصله!
وإن كان المراد تعبيد الطريق التي تخترق الكركارات في اتجاه الحدود الموريتانية، فقد توقفت أشغالها! وإن كانت طعما لاستفزاز قوات البوليساريو وجس نبضها في حقيقة عزمها استئناف الحرب، فقد أظهرت ذلك الاستعداد؟ وإن كانت مبادرة المغرب إجهاض تنسيق دولتي الجوار، موريتانيا والجزائر، مع البوليساريو ضده، فإنه وقع في شباكها.
بالمقابل، فإن البوليساريو سجل تدخله ودخوله إلى منطقة اعتبرها المغرب له وتقع تحت سيادته، وحضر فعلا إلى مكان إنجاز المغرب أشغال تعبيد الطريق، وعلى بعد مائتي متر من القوات المغربية، واستدعى الأمر حضور المينورسو التي لم تكن المنطقة تحت مراقبتها.
بل إن الأمين العام طلب تعليق كل عمل يؤثر على الوضع القائم، وهو طلب موجه إلى المغرب باعتباره هو الذي يقوم بتعبيد الطريق. كما طالب بسحب كل العناصر المسلحة من عين المكان، وهو طلب يطال المغرب أيضا، وكل ذلك يضعف دفوعات المغرب المؤسسة على سيادته على المنطقة، ويسحب منها القوة التي كانت تتمتع بها، خاصة إذا قبل بدخول المنطقة تحت مسؤولية المينورسو، وتم إنشاء مركز مراقبة دائم بها.
كما أن المغرب لم يستطع تنبيه الأمم المتحدة إلى تغاضيها عن سابق تدخلات البوليساريو شرق الجدار الدفاعي، أو لربما هذا جزء من خطة المغرب المستقبلية، وقد تتعقد الأمور أكثر إن حملت الأمم المتحدة للمغرب مسؤولية خرق البند الأول من اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991 بين المغرب وجبهة البوليساريو.
غير أن القصة لم تنته بعد، فهذه نقطة البداية لشوط أو أشواط أخرى تنذر بالأسوأ، فقد ضاق مجال مناورات الأطراف جميعها، دون استثناء، بمن فيها طرفا النزاع المغرب والبوليساريو، ودولتا الجوار الجزائر وموريتانيا، ديبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا ونفسيا، وقد يضيق أكثر في الحرب الشاملة من حيث لا يدرون، فالحرب ليست نزهة.
صبري الحو*
*محامي بمكناس، خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء
المصدر: هسبريس