حراك الشيوخ : إلى أين تتجه البوصلة؟ / محمد الأمين الفاض

20 أكتوبر, 2016 - 10:29

إن لغة البيان الموقع من طرف لجنة المتابعة داخل مجلس الشيوخ، وإن نوعية الأسماء الموقعة على هذا البيان ليؤكدان بأن  خيط عقد الموالاة قد بدأ ينفرط، وبأن حاجز الخوف داخل هذه الموالاة قد بدأ ينكسر، وبأن الأسابيع والأشهر القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت إن ظل الرئيس مستمرا في السير
 في طريق المأمورية الثالثة، ذلكم الطريق المليء بالحفر وبالمنعرجات والتي يمكن لأي واحدة منها أن تؤدي إلى "انقلاب" المركبة.
كان بودي أن أعلق على البيان الأخير لمجلس الشيوخ، ولكني لم أجد وقتا لذلك، وفي انتظار أن أجد الوقت المناسب لأعلق على حراك الشيوخ، وعلى هذا المخاض المقلق الذي تعرفه البلاد في أيامنا هذه، في انتظار ذلك فإني أدعوكم إلى قراءة مقال كنتُ قد كتبته منذ عدة أشهر تعليقا على أول تحرك مثير لمجلس الشيوخ.
ـــــــــــــــــ
يصعب علينا في مثل هذا الوقت المبكر، أن نحدد الاتجاه الذي تشير إليه البوصلة التي توجه حراك الشيوخ المثير، كما يصعب علينا أيضا تحديد المحطة الأخيرة في مسار هذا الحراك، أي أين سيتوقف هذا الحراك؟ الشيء الأكيد، والذي يمكن الجزم به الآن، هو أن موعد الاثنين قد شكل محطة بارزة في مسار هذا الحراك، ومن الراجح بأن ما بعد الاثنين لن يكون مثل ما قبله.
لم يكن يوم الاثنين يوما عاديا في مسار هذا الحراك، ففي هذا اليوم كان رئيس الحزب الحاكم على موعد في مقر الحزب مع الشيوخ المحسوبين على حزبه، وظل رئيس الحزب ينتظر،
وينتظر، وينتظر، من الساعة الحادية عشر صباحا إلى الرابعة مساء. وخلال هذه الساعات الأربع الطوال تم استخدام كل وسائل الضغط الممكنة، وكان من قبل ذلك قد تم تهديد الشيوخ بأن من لم يحضر منهم إلى هذا اللقاء فإنه سيتم تصنيفه كمعارض، وكان قد تم الإيحاء أيضا بأن دعوة الاثنين قد جاءت بتعليمات من الرئيس عزيز بعد اجتماع مطول مع رئيس الحزب الحاكم. بعد كل هذا وذاك جاءت النتيجة على النحو التالي: في مقر الحزب الحاكم يوجد ثمانية شيوخ وتاسعهم جيء به من مدينة النعمة لزيادة العدد، ومن اللافت بأن شيخ أطار الذي يمثل دائرة رئيس الحزب الحاكم لم يكن من بين الشيوخ التسعة، وأن شيخ جكني (مقاطعة الوزير الأول) لم يكن أيضا من بين أولئك الشيوخ التسعة.
أما في مجلس الشيوخ فقد وصل عدد الحضور إلى ثمانية وعشرين شيخا، أي ثلاثة أضعاف العدد الذي كان يوجد بمقر الحزب الحاكم. في مساء ذلك اليوم حضر رئيس مجلس الشيوخ وصحبه إلى إفطار الرئيس، وهم في غاية الارتياح، حضروا بعد أن اتفقوا على الحضور دون أن يعني ذلك أي تنازل عن مطالبهم. أما رئيس الحزب الحاكم وشيخ النعمة فإنه سيتم منعهما من طرف الحرس الرئاسي من  الحضور إلى الإفطار، وذلك بعد أن تأخرا، وقد كان تأخرهما طبيعيا، فرئيس الحزب لابد وأن يكون قد أربكه الحصاد الهزيل للساعات الأربع، وشيخ النعمة لابد وأن تكون قد أرهقته الألف كيلو التي قطعها من أجل حضور لقاء الاثنين.
إن هذا الحراك المثير، والذي لم تتحدد لنا ـ حتى الآن ـ بوصلته، ولا المحطة الأخيرة التي سيتوقف عندها، ليستحق منا أن نتوقف معه، وذلك من خلال تقديم جملة من الملاحظات:
الملاحظة الأولى: لقد أكد لنا هذا الحراك بأن خطاب النعمة كان بالفعل خطابا تاريخيا، من حيث كلفته ومن حيث حجم الخسائر التي تسبب فيها للنظام القائم. إن خطاب النعمة التاريخي يمكن أن نعتبره هو الخطاب الأكثر كلفة في تاريخ موريتانيا.
لقد خرج النظام من هذا الخطاب ومن شرح مضامينه بخسائر كبرى، خسائر جاءت نتيجة لحديث الرئيس عن ضرورة الحد من النسل وربط ذلك الحديث بواقع إحدى شرائح المجتمع، وخسائر جاءت نتيجة لإطلاق  موعد مرتجل للحوار، وللتذكير فقد اكتملت الأسابيع الأربع وزادت بأسبوع خامس، وخسائر تسبب فيها وعد الرئيس في خطابه بإلغاء مجلس الشيوخ، وكان من نتائج ذلك أن أطلق الشيوخ حراكهم المثير، وبالمناسبة فإن إلغاء مجلس الشيوخ لن يكون بالعملية السهلة، فهو يحتاج إلى موافقة ثلثي المجلس على عملية الإلغاء في تصويت سري. فهل يمكننا أن نتوقع من هؤلاء الشيوخ الذين لم يكتموا غضبهم بعد الإعلان عن قرب إلغاء مجلسهم بأن يصوتوا سرا على عملية إلغاء مجلسهم؟
الملاحظة الثانية: على الرغم من غياب أي جناح عسكري داعم لحراك الشيوخ الحالي، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، فإن حراك الشيوخ الحالي لابد وأن يذكرنا بحراك الكتيبة البرلمانية في الأيام والأسابيع التي سبقت الانقلاب على الرئيس السابق.
إن التشابه بين العهدين لا يتوقف عند هذا الجانب فقط، فهناك تشابه في كل التفاصيل: كثرة الأسفار؛ هيئة خيرية مقابل هيئة خيرية؛ مطالبة  بفتح تحقيق في مصادر التمويل مقابل المطالبة بفتح تحقيق؛ اختفاء المحكمة السامية في الحالتين؛ غلاء معيشة مقابل غلاء معيشة؛ تفكك أغلبية مقابل تفكك أغلبية؛ انسداد سياسي مقابل انسداد سياسي.
الملاحظة الثالثة: يؤكد هذا الحراك بأن النظام القائم قد بدأ يتآكل من التداخل، أو بدأ يتصدع، أو بدأ يحتضر، ولكم أن تختاروا العبارة التي ترونها مناسبة. ومهما تكن العبارة التي ستختارونها فإن الشيء المؤكد هو أن النظام القائم لا توجد به شخصية توافقية يمكن الاستعانة بها لإطفاء الحرائق السياسية التي قد تشتعل هنا أو هناك، بل على العكس من ذلك فإن النظام القائم يتكون بالأساس من شخصيات تصادمية، ذات خبرة عالية في خلق الأزمات، وفي إشعال الحرائق، ولا تمتلك القدرة، ولا الرغبة في إطفاء الحرائق، ولا في خلق جو تصالحي حتى في الدائرة الضيقة لما يسمونه بالأغلبية الداعمة للرئيس.
الملاحظة الرابعة : إن هذا النوع من الحراكات سريع العدوى، خاصة في الأنظمة التي تكون فيها العلاقة بين الرئيس وموالاته قائمة على الترهيب وعلى إعطاء الأوامر دون أن يكون هناك أي تشاور من أي نوع. إن هذا النوع من الموالاة المعروف بالخوف والخنوع قد يظل كذلك لسنوات طويلة، ولكن عندما تتجرأ مجموعة منه على كسر جدار الخوف، كما يفعل الشيوخ الآن، فإن ذلك قد يتسبب في انفراط العقد. ولكم أن تلاحظوا بأن هناك حراكا آخر قد بدأ يتشكل في الجمعية الوطنية، فالنواب يعلمون بأن مصيرهم مرتبط بمصير الشيوخ، فعندما يلغى مجلس الشيوخ، فإن النواب سيتم تجديدهم، وذلك على أساس أنهم كانوا قد انتخبوا في نظام برلماني من غرفتين. لقد حاول الحزب الحاكم أن يوقف حراك النواب في مهده، وذلك بإعلان رئاسة الحزب لقبولها بتجديد ممثلي الحزب في مكتب الجمعية الوطنية. إن قبول الحزب بتجديد ممثليه في مكتب الجمعية الوطنية قد لا يكون كافيا لوقف تذمر بعض النواب، والذي وصل إلى حد جعل أحد النواب يطالب علانية باستقالة رئيس الحزب الحاكم.
الملاحظة الخامسة : إن هذا الحراك الذي يعلن أصحابه بالغداة والعشي بأنهم لا يستهدفون الرئيس، قد أوقعوا الرئيس في ورطة، فهو إن قبل بمطالبهم فإنه بذلك يكون قد تنازل عن تعهد كان قد التزم به، ثم إن الاستجابة لمطالب الشيوخ قد تحفز قوما آخرين في الموالاة للخروج من أجل تحقيق مطالب كانت معطلة. أما إذا رفض الرئيس الاستجابة لمطالب الشيوخ، فإن ذلك قد يجعل "مجلس العجزة" (وهذا الوصف لأحد شراح خطاب النعمة) يضبط بوصلة حراكه في اتجاه جديد، وعندها سنكون أمام  (????)
حفظ الله موريتانيا.