الناصرة – “رأي اليوم” – من زهير أندراوس:
فيما التزمت إسرائيل الرسميّة التعقيب أوْ التعليق على الاتفاق لذي تمّ الإعلان عنه بين موسكو وواشنطن حول الهدنة في حلب، أطلق المُستوى السياسيّ العنان للإعلام العبريّ، لينقل الصورة من وجه نظر المؤسسة السياسيّة والأمنيّة في تل أبيب، حول الاتفاق.
ووسائل الإعلام الإسرائيليّة، المُتطوعّة لصالح ما يُطلق عليه بالإجماع القوميّ الصهيونيّ، لم تُخفِ بالمرّة “تمنياتها” بعدم نجاح الاتفاق، لأنّه يُلحق الأضرار بالأمن القوميّ الإسرائيليّ، خصوصًا وأنّ الصهيونيّة عملت وما زالت وستبقى تعمل من أجل تقسيم سوريّة إلى عدّة كيانات عرقية وإثنية، وبالمُقابل إطالة الحرب الأهليّة في بلاد الشام لاستنزاف القوى العاملة هناك، وفي مُقدّمتها الجيش العربيّ السوريّ وحزب الله وإيران.
المُحلل العسكريّ في صحيفة (هآرتس) العبريّة، عاموس هارئيل، والمعروف بعلاقاته الوطيدة مع المؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة، نشر في عدد الصحيفة اليوم تحليلاً جاء فيه أنّه على الرغم من أنّ إسرائيل لم تُقّر بذلك أبدًا، فإنّها ترى في مواصلة القتال في سوريّة إيجابيات كثيرةٍ، وفي مُقدّمتها استنزاف الجيش السوريّ وتآكل قوتّه. بالنسبة لها، وبالتالي إذا نجح الاتفاق الروسيّ-الأمريكيّ، أضاف المُحلل، فإنّ نظام الرئيس السوريّ د. بشّار الأسد سيبقى، ومن الناحية الأخرى، شدّدّ المُحلل الإسرائيليّ، ستكون الفرصة سانحةً لحزب الله لاستعادة قوتّه وعافيته وتوجيه جهوده العسكريّة ضدّ الدولة العبريّة، وتحديدًا الجيش الإسرائيليّ، على حدّ تعبيره.
ونقل هارئيل عن مصادر أمنيّة وعسكريّة إسرائيليّة رفيعة المُستوى قولها إنّ الدولة العبريّة التي لم تكُن مُشاركة بالمرّة في الجهود المبذولة للتوصّل إلى اتفاق سياسيّ في سوريّة، مثلما لم تتدّخل إلّا لمامًا في الحرب الدائرة هناك منذ أكثر من خمس سنوات ونصف السنة، تتعامل الآن بشوكٍ كبيرةٍ حول إمكانية نجاح المحادثات التي يجريها وزير الخارجيّة الروسيّ، سيرغي لافروف، مع نظيره الأمريكيّ، جون كيري.
ولفتت المصادر عينها، بحسب الصحيفة الإسرائيليّة، إلى أنّ الاتفاق لا ولن يؤدّي إلى تعافي سوريّة، أوْ بالأحرى ما تبقّى منها، من الحرب الأهليّة، كما أنّ الاتفاق لن يجلب في نهاية المطاف لوقف الحرب الطاحنة الدائرة في سوريّة، على حدّ تعبير المصادر الإسرائيليّة الرفيعة.
ولفت المُحلل إلى أنّ اتفاقات الهدنة في سوريّة، التي تمّ التوصّل إليها سابقًا لم تصمد طويلاً وعادت الحرب إلى سابق عهدها، وكان الاتفاق الأخير، الذي بادرت إليه روسيا في شهر شباط (فبراير) من هذا العام قد فشل بعد أقّل من شهرٍ على التوصّل إليه، زاعمًا أنّه فشل بسبب الروس أنفسهم، والذين قاموا بدون رحمة بمهاجمة مقرّات ومواقع المُعارضة المُسلحّة التي تُعتبر معتدلةً، على الرغم من تعهدهم بقتل التنظيمات الإرهابيّة مثل جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلاميّة، على حدّ تعبيره.
وشدّدّت المصادر عينها، كما قال هارئيل، على أنّه بالنسبة لإسرائيل، التي لم تعترف ولو مرّةٍ واحدةٍ بذلك بصورةٍ مُباشرةٍ، فإنّ هناك الكثير من الإيجابيات لها جرّاء تواصل الحرب الدائرة في سوريّة، لافتةً إلى أنّه في السنة الأخيرة، وعلى وقع الانتصارات التي حققها الجيش العربيّ السوريّ، بفضل الروس، أدّت إلى موجةٍ من القلق والتوجّس لدى صنّاع القرار في تل أبيب، وذلك لأنّ التغيير في الوضع الميدانيّ، أضافت المصادر، كرسّت قوة المحور الإيرانيّ-الروسيّ وحزب الله.
وتابع قائلاً إنّه في حال نجاح اتفاق لافروف-كيري، فإنّ الأمر يعني أنّ الرئيس السوريّ سيبقى في منصبه، على الأقّل للفترة القريبة.
وتابع قائلاً إنّه إذا تمكّن النظام من البقاء، وبموازاة ذلك، يُعطى حزب الله الوقت لكي يستعيد قوتّه وعافيته، وأنْ يعود لتركيز جُلّ جهوده العسكريّة للتحضيرات للمُواجهة القادمة مع إسرائيل، فإنّ هذه الأمور، كلاً على حدّةٍ ومجتمعةٍ لا تُعتبر بشائر حسنة من وجهة النظر الإسرائيليّة، على حدّ تعبير المُحلل هارئيل. علاوة على ذلك، قالت المصادر إنّه قبل سنة توصّلت إسرائيل لتفاهمات مع روسيا لعدم وقوع حوادث جويّة بين سلاح الطيران الروسيّ من جهة والإسرائيليّ من الجهة الأخرى، ولكنّ الاتفاق بين لافروف وكيري، لا ناقة ولا بعير للدولة العبريّة فيه.
إلى ذلك، قال مُحلل الشؤون العسكريّة في موقع (WALLA) الإخباريّ-الإسرائيليّ، أمير بوحبوط، قال إنّه بعد التوقيع على الاتفاق بين لافروف وكيري بات واضحًا وجليّا أنّ اللاعب المركزيّ الجديد في المنطقة هو روسيا، وبالتالي فإنّ جهات نعتها بالسلبيّة قد تستغل هذا الوضع الناشئ من أجل فرض وقائع جديدة على الأراضي السوريّة، مثل قيام هذه الجهات في اللحظة الأخيرة بالسيطرة على قرى وبلدات ومدن وشوارع رئيسيّة، بهدف توسيع مساحة سيطرتها.
وتابع المُحلل بوحبوط قائلاً إنّ المؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة مُلزمة بأنْ تُعيد تقييم الأوضاع، بحيث تأخذ بعين الاعتبار وصول صواريخ من سوريّة إلى العمق الإسرائيليّ، كما أنّه يتحتّم عليها، قال المُحلل، أنْ تدرس إمكانية تصعيد الخطر القادم من مرتفعات الجولان العربيّة السوريّة، لافتًا إلى أنّ هذا التطوّر يُدخل وزير الأمن الإسرائيليّ الجديد، أفيغدور ليبرمان، في أوّل امتحان له لمنع تردّي الأوضاع العسكريّة والأمنيّة في هضبة الجولان، والذي بحسب المصادر سيقوم بعقد اجتماع سريعٍ مع القائد العّام لهيئة الأركان في الجيش الإسرائيليّ اللواء غادي أيزنكوط، ومع رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان)، الجنرال هرتسي هليفي، وقائد المنطقة الشماليّة في الجيش، الجنرال أفيف كوخافي.