المعارضة غير متفائلة وتصف دعوات الحوار الحكومية بعدم الجدية
عاد الحوار السياسي بين نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ومعارضيه أمس إلى الواجهة للمرة السابعة بعد أن غطت عليه استضافة موريتانيا للقمة العربية عدة أشهر.
فقد أعلن أمس عن اتصال جديد أجراه الوزير الأمين العام للرئاسة مولاي محمد الأغظف المكلف بملف الحوار مع الرئيس الدوري لمنتدى المعارضة صالح ولد حننه لاستئناف التفاوض حول الحوار الذي أعلنه الرئيس في خطابه الأخير والذي لم ينعقد لحد الآن رغم انقضاء فترة الأسابيع الأربعة التي كانت آخر ما حدده الرئيس محمد ولد عبد العزيز لانطلاقته.
وأكد مصدر قيادي في منتدى المعارضة الموريتانية في تصريح خاص لـ «القدس العربي»، مسألة اتصال الوزير الأمين العام للرئاسة بالرئيس الدوري للمعارضة».
وأوضح المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، «أن المعارضة قبلت إجراء لقاء غير رسمي مع مندوبي الحكومة لتذليل بعض الصعاب»، مبرزا «أن المعارضة كانت تفضل أن يتم كل ذلك بصورة سرية بعيدا عن الإعلام، لكن الجانب الحكومي سرب الخبر عن قصد لحاجة في نفسه».
وشدد على «أن المعارضة مصابة بإحباط شديد لعدم جدية الحكومة في عروضها المتكررة والعقيمة الخاصة بالحوار».
وأكد المصدر «أن المعارضة أجرت أمس مشاورات بين أقطابها لتشكيل الفريق الذي سيلتقي بشكل غير رسمي، مع مندوبي الحكومة والذي سيجدد على كل حال للحكومة، تمسك المعارضة بشرط الرد المكتوب على وثيقتها المتضمنة لممهدات الحوار والتي سلمت قبل أشهر للحكومة، وذلك قبل أي استئناف رسمي للتشاور حول الحوار».
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد أكد في خطاب أخير له «أنه سينظم حواراً مفتوحاً وشاملاً مع من حضر، موضحاً «أنه يرحب بالمعارضة إذا أرادت المشاركة في جلسات الحوار».
ولم يشر في حوار أجرته معه قبل يومين صحيفة «الأهرام» المصرية لأي أمر جديد يتعلق بالحوار، فقد اكتفى الرئيس بإعادة ما سبق أن أكده مرات حيث أوضح «أن الحوار الوطني في موريتانيا هو أمر ضروري ولا بد من الاستمرار فيه لترسيخ الديمقراطية في بلادنا.. فجميع الأمور تعالج من خلال الحوار».
والجديد في هذه التصريحات «أن الرئيس يعتبر «الحوار مفتوحا في وسائل الإعلام وفي البرلمان وفي الحكومة»، وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه مرارا الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة الذي أكد «أن الحوار مفتوح وأن المنتظر فقط هو جلسته الرسمية العلنية».
وكان المدون البارز محمد الأمين الفاظل القيادي في منتدى المعارضة قد أكد في آخر تحليل له يخص الحوار بأن «المنتدى المعارض لن يجعل يد الحوار مغلولة إلى العنق ليتهم بذلك من طرف الشعب الموريتاني بأنه هو من يعرقل الحوار، ولكنه في المقابل، لن يبسطها كل البسط، حتى لا يقعد ملوماً محسوراً».
وقال «إن الحوار الذي يريده المنتدى هو ذلك الحوار الذي سيستفيد من أخطاء حوار داكار، وهو ذلك الحوار الذي يؤسس لديمقراطية حقيقية، ويضمن تحقيق مبدأ التناوب السلمي على السلطة، إنه ذلك الحوار الذي يحقق التغيير الآمن مقابل الخروج الآمن من السلطة قبل حصول انقلاب أو ثورة».
وضمن الجدل الدائر حول الحوار منذ مدة، كتب وزير الخارجية الأسبق والقيادي المعارض محمد فال ولد بلال، تحليلاً تحت «تأملات على هامش الحوار الممكن والواجب» أكد فيه أنه «يكرر منذ سنتين تقريباً من أعلى كل المنابر المتاحة بأن الرئيس، لا ولن يترشح لمأمورية ثالثة بحسب ما يتراءى من أسباب موضوعية تجعله قادراً على مغادرة السلطة بمجرد انتهاء مأموريته، خلافاً لبعض نظرائه الأفارقة الذين جاءوا بانقلاب عسكري، وقضوا عشرات السنين في الحكم، راكموا خلال حكمهم من الجرائم والقتل والتدمير ما يمنعهم بتاتاً من ترك السلطة طواعية».
«فهؤلاء الرؤساء، يضيف الوزير بلال، هم مَنْ رأيناهم يُقدمون على تغيير الدستور في بلدانهم سبيلاً إلى الترشح الولاية الرئاسية الثالثة، ورابعة، وخامسة، إلخ…و مصيرهم معروف : من القصر إلى المنفى أو الأسر، والرئيس محمد ولد عبد العزيز، يقول الوزير بلال، يختلف عن هؤلاء، رغم ما لصق بحكمه من فساد ونهب وسوء تسيير ومحسوبية وانقلابية وفضائح…قل عنه ما شئت، إلاّ أنه حافظ على شيء مهم، حافظ على السلم والسلام والأمن والاستقرار في ظروف محلية وإقليمية ودولية بالغة الصعوبة».
وتقدم ولد بلال بمجموعة اقتراحات لحل الأزمة السياسية في موريتانيا بينها إنهاء الجدل العقيم والتجاذب السلبي في موضوع الولاية الرئاسيةالثالثة، وتجاوزه إلى ما هو أهم وهو النظر إلى المستقبل وإلى ما بعد الرئيس المنتهية ولايته».
واقنرح ولد بلال «التركيز على الفترة المتبقية من مأمورية الرئيس بصفتها مرحلة انتقالية تختلف اختلافاً جوهرياً عن كل ما مضى من مراحل سياسية في البلاد، وتستدعي بالتالي ممارسات ومقاربات سياسية مختلفة كونها مرحلة محفوفة بالمخاطر والصعوبات، وتستوجب اليقظة من الجميع ضمن معادلة جديدة قوامها: «الشرعية والشراكة»، بمعنى الاعتراف بشرعية الرئيس وإشراك المعارضة في تسيير ما تبقّى من الولاية».
وأضاف «يجب فتح قنوات اتصال بين السلطة والمعارضة عموماً، وبخاصة بينها وبين المنتدى ومؤسسة زعيم المعارضة الديمقراطية بغية التشاور الهادئ والمسؤول وتبادل الآراء بعيداً عن الأنظار لتحديد ملامح الحوار المنشود: ما هو جدول أعماله؟ من هم المشاركون فيه؟ ما هو موعد افتتاحه؟ و ما هي مدّته؟ وفي أي إطار ينتظم؟ وكيف تكون تغطيته الإعلامية؟ وكيف يكون اتخاذ قراراته وخلاصاته؟ إلخ… قد لا تحسم هذه الأمور جملة وتفصيلاً قبل الحوار، يضيف القيادي المعارض، ولكن يجب أن تُثار وأن يحصل بشأنها توافق وتراضٍ مبدئي، في الحد الأدنى الذي يسمح للحوار بأن يلتئم». وقال «بحسب رأيي المتواضع، يجب أن يكون الحوار المرتقب على شكل «طاولة مستديرة» تشارك فيها الأحزاب السياسية، والاتحادات النقابية، ومنظمات المجتمع المدني ذات المصداقية، والهيئات الشبابية والنسائية الوازنة، بواقع ثلاثة ممثلين من الصف الأول عن كل هيئة، كما يجب أن تكون إدارة الجلسات والأشغال بالتناوب بين الأقطاب، والعلاقة بالإعلام موحّدة، وبخصوص المضمون، نتطلع إلى الخروج باتفاق على آليات جديدة تضمن سلامة اللعبة السياسية وتعيد الثقة في العمليات الانتخابية».
وخلص ولد بلال لتأكيد «أن واقع موريتانيا اليوم واقع عقيم وسقيم، عنوانه البارز: «تأزيم» ثم «انقلاب»، ثم «تأزيم»، ثم «انقلاب»، ثم «تأزيم»، وهكذا دواليك، ومع كل انقلاب يسقط الجميع – تسقط السلطة والمعارضة معاً – ويبدأ العمل من الصفر؛ فهذا النوع من العمل السياسي «موالياً» كان أو «معارضاً» لا طائل من ورائه ولا فائدة فيه».
القدس العربي