عبد الفتاح يونس.. الجنرال الليبي الثائر وحكاية اغتياله الغامضة

30 يوليو, 2016 - 09:47

تمر هذه الايام الذكرى الخامسة لاغتيال اللواء عبد الفتاح يونس العبيدي، رئيس اركان الجيش الليبي، ذلك الاغتيال الذي أفقد ثورة 17 فبراير براءتها، وأسس لما تلاه من صراع ما زال محتدماً على السلطة.

اللواء ذو الكاريزما الزعامية الذي نجح في الحفاظ على تماسك الجيش الوطني وجسمه الرئيس قوات الصاعقة،  شكلّ من حيث لايدري خطراً مباشراً على القوى الاسلامية المتطرفة التي خططت لخطف الثورة واستلام زمام الحكم والاستحواذ على السلطة بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي.
عد اللواء يونس، إضافة إلى اللواء خليفة حفتر، آنذاك، هدفين رئيسين للجماعات المتطرفة، كونهما استطاعا تنمية قوة الجيش الليبي، وبث الروح المعنوية بين صفوفه.
وفي حين لم تنجح محاولات اغتيال واقصاء حفتر، قتل يونس واحرقت جثته.
عشرات الاتهامات التي حاول مطلقوها إلصاقها باللواء يونس لم تصمد أمام المنطق، فمن التواصل مع نظام العقيد معمر القذافي، إلى الاتصال بالفرنسيين والامريكيين وغيرها، لم تنجح حتى اليوم في الاساءة إلى صورة الجنرال الذي وضع نفسه في خندق الشعب وقاتل من أجله.
وكان مثيراً أن مطلقي الاتهامات، اتخذوا موقفا مشابهاً لموقف القذافي نفسه، حين بث صورا على تلفزيون الجماهيرية تظهر اللواء يونس، قد عاد إلى صفوفه، بعدما طلب السماح منه! وهي إكذوبة لم تصمد أمام موقف الرجل الذي كان يقود، آنذاك، معارك تحرير البريقة من كتائب القذافي مضمخا بالحماس والغبار، فلم يلبث ان  اتضح زيف الفيديو القديم.
ويرد على أولئك “الموتورين” الذين يقولون إن القذافي أرسل يونس ليتجسس على الثوار،  أن العبيدي، الذي كان وزيرا للداخلية منذ عام 2009، حين أعلن استقالته من ” كافة مناصبه” يوم 21 شباط/ فبراير 2011 احتجاجا على قمع القذافي لثورة 17 فبراير، أوشك ان يلقى حتفه، عندما اطلق مرافق له من جماعة القذافي النار تجاهه من مسدسه، وقتل سائقه وهو ابن عم له، قبل أن يردى القاتل.. قتيلاً.
أما الموقف الذي اتخذه المجلس الانتقالي تجاه الجريمة، فكان مائعاً، ولعب أعضاء فيه دور المتسترين عليها، وعلى القتلة، تحت ذريعة الخوف على الثورة، وربما خوفاً من استثارة “عش الدبابير المتطرفة”.. دون ان يدروا أن الثورة التي سفك دم أحد أبرز قادتها، داخلها الصراع الذي تطور وامتد إلى اليوم بين متطرفين اسلاميين “ظنوا ان الفرصة سانحة”، والجيش الوطني.
اللواء يونس من مواليد عام 1944 في الجبل الاخضر، وأحد قادة حركة الضباط الوحدويين الاحرار التي قادت انقلاب عام 1969 الذي أوصل القذافي الى السلطة، وكان دوره أن اقتحم “محطة إذاعة بنغازي” الرئيسية في ليلة الانقلاب.
عهد القذافي بعد الاطاحة بالحكم الملكي وتأسيس الجمهورية ومن ثم الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى، الى يونس بقيادة القوات الخاصة، التي بقيت حتى اليوم وفية لقائدها، وهي الجسم الرئيس في قتال المتطرفين ببنغازي حالياً.
قاد يونس القوات الخاصة في المناوشات التي وقعت مع مصر في سبيعينيات القرن الماضي، وفي حرب تشاد، وكان دائما قريباً من جنوده.
عبد الفتاح يونس.. الجنرال الليبي الثائر وحكاية اغتياله الغامضة
إبان توليه وزارة الداخلية، فتح عدة قنوات مع الاوروبيين لمناقشة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وهي الصلات التي توثقت عقب انشقاقه وقيادته للجيش ضد النظام.
يعزى إلى يونس انه اعترض على خطة للقذافي لاخماد الثورة في مدن الشرق وخصوصا بنغازي، تقضي بقصفها  بالطائرات الحربية بهدف إثارة الرعب وتخويف السكان، خشية حدوث مجزرة. وحين أيقن أن القذافي ماض الى آخر الشوط في قمع الثورة، استقال وانشق عنه.
في بنغازي عمل يونس على إنشاء وحدات عسكرية تنظيمية للثوار بهدف ترتيب صفوفهم، فظهر  جيش التحرير الوطني الليبي ليكون نداً لجيش القذافي، وعيّن رئيسا لاركانه.
وصفه مصور لوكالة فرانس برس عرفه في بنغازي بأنه “كان يبدو كممثل سينمائي، واثق من نفسه في زيه العسكري. مربوع القامة لكنه كان يبدو مع شعره الذي خطه الشيب ويتمايل غالبا في الهواء، أطول مما هو عليه فعلا بسبب جسمه الرياضي”.
الاغتيال الغامض
بصوت تخنقه العبرات، أعلن مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، يوم 28 يوليو 2011 وفاة اللواء “عبد الفتاح يونس” رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ورفيقيه العقيد “محمد خميس العبيدي” والمقدم “ناصر مذكور”.
وكانت المؤامرة تقتضي استدعاء يونس من الخطوط الأمامية للمواجهات، بدعوى المثول أمام لجنة من أربعة قضاة كانت تحقق وتنظر في العمليات العسكرية. لكن الحراس الذين اصطحبوا يونس اطلقوا النار عليه وعلى مرافقيه، واحرقوا جثثهم، بل والقوها في مكب القمامة.
شكل المجلس الانتقالي لجنة تحقيق في الاغتيال وتعهد بنشر كافة الوقائع التي ستتوصل إليها اللجنة، بيد ان ذلك لم يحدث.
وللمفارقة، اتهم نظام القذافي تنظيم القاعدة بقتل يونس، وهو ما ادعاه فيديو ظهرت فيه جثة يونس المتفحمة.
وعلى مدى سنوات، لم يحرز القضاء أيما تقدم في القضية، فيما تتهم قبيلة العبيدات، وهي الأكبر في الشرق الليبي، شخصيات في المجلس الانتقالي والقاضي جمعة بوجازية الذي اغتيل في مدينة بنغازي ، وكان  أصدر قرار جلب يونس للمثول أمام المحكمة، بالمسؤولية.
ووفقاً لشقيق العقيد “محمد خميس العبيدي”  الدكتور سعد العبيدي، في تصريحات نشرتها جريدة الحقيقة، فإن “ما ألمنا وجرحنا بالفعل هو استهتارالمجلس الوطني الانتقالي بنا وطريقته في معالجة القضية والمماطلة والتلاعب بالملف”، مؤكدا أن  كل من ذكروا في قرار الاتهام الذي قدم للمحاكمة “أدوات” لعب وزج بهم في هذه الكارثة، وبعضهم ليس لهم اية علاقة بقضية الاغتيال، أما المتهمين الحقيقيين فغالبيتهم فروا خارج البلاد وخصوصا إلى إيران”.
إغتيال يونس في مرحلة حساسة جداً، أوشك ان يجهض الثورة، لكن المشروع الذي حمله مغتالوه كان يتجاوزها إلى الفوضى.