عانت بلادنا منذ نشأتها من ظاهرة عبادة الفرد عبر الأنظمة المتعاقبة مع تفاوت في ممارستها من نظام إلى آخر. و قد شهدت تراجعا محمودا في الفترة الانتقالية 2005-2007 و في المدة الوجيزة لحكم الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
إلا أن هذه الظاهرة المخجلة عادت مع تولي السيد محمد ولد عبد العزيز السلطة بصفة تدريجية في البداية، ثم بتصاعد متواصل يبدو أنه لم يصل بعد إلى ذروته، حيث أننا كل ما ظننا أنها بلغت حدها الأقصى فإذا بمبدع ملهم يضيف لبنة أخرى إلى صرح التمجيد و التأليه.
و من مميزات ظاهرة عبادة الفرد التي تطبع الأنظمة الديكتاتورية، أجارنا الله من حالها، إطلاق أنواع ألقاب العظمة على زعماء تلك الأنظمة. و الأمثلة على ذلك كثيرة، من ستالين و مااو اتسي تونك، إلى موبوتو و ألقذافي مرورا طبعا بهتلر، الذين تميزوا كلهم بكثرة ألقاب التعظيم. إلا أن الرئيس كم إل سونج الذي قاد كوريا الشمالية في القرن الماضي كان البطل بغير منازع في هذا الميدان، فكان من ألقابه العديدة مثلا "الزعيم الأعظم" و الرئيس الأبدي"، و "معلم الإنسانية جمعاء"، و "شمس كوريا الساطعة"..
و لا أحد كان يعتقد أن السيد محمد ولد عبد العزيز الذي كان شخصا متواضعا بعيدا عن الأضواء قبل أن تصل به الحظوظ و الصدف إلى ما وصل إليه يحب أو يقبل هذه الممارسات، إلا أنه مع وصوله إلي السلطة، بدأت ألقابه تتوالى و تتصاعد. فبدأت ب"رئيس الفقراء"، ثم "رئيس العمل الإسلامي"، ثم "الرئيس الإنسان"، ف"الرئيس المؤسس"، و "الأب الحنون" و حتى "أمير المؤمنين"، الذي أضافه أحد عمد موريتانيا الأعماق، مع أن هذا اللقب الأخير لم يعرف، ولله الحمد، رواج الألقاب الأخرى في استدراك نادر لما وصلت إليه المزايدة لممارسي هذا "النشاط".
ثم شملت مظاهر عبادة الفرد مجال الإنجازات حيث أصبح كل مشروع، مهما صغر حجمه أو قلت أهميته، إنجازا هاما، كبيرا، تاريخيا، عملاقا، حتى زًيفت هذه الأوصاف و فُرغت من معانيها. و بفضل هذه الإنجازات، و "بفضل القيادة الرشيدة لفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز" أصبحت موريتانيا "سويسرا المغرب العربي"، في مقارنة جريئة لأحد المبدعين.
كما تعودنا على أن كل ما تقوم به الحكومة هو «بتعليمات سامية و طبق توجيهات نيرة لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز"
و حديثا، كان خطاب النعمه (التاريخي، طبعا)، بمثابة إشارة انطلاق فصل جديد يتنافس فيه المتنافسون في مباراة مفتوحة في أنواع التعظيم و التمجيد .
ففي إطار هذه المسابقة الإبداعية الجديدة، قارن أحد المتسابقين الرئيس بعمالقة التاريخ كغاندي و الجنرال ديجول و مارتين لوثر كينج و جون كندي و منديلا و حتى بطارق بن زياد، بعد ما شبهه آخرون بنابوليون بونابارت و بجمال عبد الناصر و بصدام حسين، و من المحتمل أن تكون هذه المقارنات فاجأت المعني نفسه.
كما كان جواب أحدهم على سؤال الصحافة بمنتهى المبالغة، المبالغة التي تجاوزت حد المقبول، حين رد بجواب أبوبكر الصديق، رضي الله عنه، <<والله لئن كان قالها لقد صدق>>، حين سئل، رضي الله عنه، عن واقعة الإسراء و المعراج العظيمة في السيرة الشريفة لأفضل خلق الله، عليه الصلاة و السلام.
و ما زلت أتمنى أن يستدرك السيد محمد ولد عبد العزيز ما آلت إليه الأمور، ويضع حدا لها قبل أن يستكين بهذا الحال و يقف يوما من الأيام أمام الشعب و يقول <<أنا ربكم الأعلى>>، مستنسخا صورة طبق الأصل أو أدنى من الوضع الذي انقلب عليه عام 2005.
محمد الأمين ولد ديداه