"الركود الثقافي، الاشكال المجتمعي وبطيء التطور"
1. تكاد الساحة الثقافية الضحلة تصرخ بخلوها من المثقفين وبكساد القليل والضعيف المستوى من عطائها العلمي والفكري والفني نتيجة ذلك. وليس الكلام من باب نقد "اللاموجود" بقدر ما هو التذكير بذلك لعل وعسى.
وإذا ما كان الذي تفصح عنه جميع الجهات المعنية بتنوير العقول ونشر الفكر والعلم من حين لآخر من متناول قليل الكم، هو إنتاج في الغالب الأعم متسم بالبدائية ومتدني القيمة الفكرية والعلمية، فإن مجريات التناول والنقاش والتبادل حوله يطبعها عموما هي كذلك عقيم الجدل المتخلف في أساليبه ومحتوياته ومقاصده مما:
ـ يبصم على المخرج النهائي بالهزال الشديد،
ـ الساحات التعليمية خاصة والفكرية والبحثية والتحصيلية من طباعته ونشره، والبوابات الرقمية من مواده ومحتوياته،
ـ ويفرغ من فحواها وقيمتها إلى حد التلاشي كل المنتديات والندوات والحوارات الثقافية والاجتماعية القليلة كما والمتدنية المستوى على اختلاف أنواعها ومقاصدها إلا أنها كانت تحمل بعض هم التنوير الغائب وتساهم في رفض اكتساح ظلام الجهل الذي عم ولم يترك من الهوية إلا البعض من أطلالها التي كانت ذات ماض مشع.
2. تكاد الساحة الاقتصادية، الجرداء من كل علامات التحويل والتصنيع، تنادي بتعطلها عن حركة البناء والإعمار والتأسيس لإحلال الاستقلالية الذاتية بالإنتاج الوطني والتحويل الذاتي محل التبعية للخارج بالاستيراد لمنتجاته واستهلاكها دون مقابل من التصدير، ومن ثم فرض ندية التبادل مع العالم إقليميا وقاريا ودوليا. فلا رجال أعمال البلد توجهوا إلى هذا المطلب الأساس في أية تنمية مستدامة تحفظ الكيان من التبعية رغم ما هو متاح بشكل غير مسبوق من الليبرالية وإلى حد الإفراط بحسب بعض الخبراء والمحللين الاقتصاديين ورغم كذلك محاولات الدولة منذ استقلالها مرات وضع لبنة صناعية في قطاع المعادن وحقل صيد السمك والزراعة وإن فشلت من ناحية التخطيط إلا أنها في العمق كانت ترمي إلى تحويل بعض الموارد على الأرض لسد احتياجات واردة وضرورية. وفي واقع الأمر فإن حرب الصحراء وما تلاها من انقلابات عسكرية واضطرابات سياسية وأزمات جفاف واجتماعية حادة ساهمت في توقف تلك التوجهات لتأتي من بعدها الليبرالية ومفاهيمها فتصد الدولة عن الهيمنة على الاقتصاد وتعلن عن الليبرالية أسوة بالتوجه العالمي الجديد ولكنها فعلت في ظل مؤشرات غياب هذا البديل عنها.
ولأن البلد ما زال يشكو نقصا حادا في "فصيلة البناة" من رجال الاقتصاد والمال والتخطيط فقد زاد الأمر تعقيدا وظل الحال في مربعه الأول تحاصرُ خلاله الدولةَ أزماتُها الاجتماعية الخانقة والسياسية الحادة، تُريد لتخرج منها في ظل غياب طبقات سياسية واعية ومتجردة ومنظمات مجتمع مدني واع وناضج تدفع إلى تجاوزها، وأخرى من رجال الأعمال والمتخصصين في الاقتصاد والتخطيط وطنية مخلصة غيورة على البلد ينهض أفرادها بقدراتهم المتنوعة إلى رفع التحديات الخانقة. وأما الشعب فبين فكي هذين الماردين اللذين يسبحان ضد تيار المنطق العقلاني ويرفضان أن يتوجها بنواياهم عن حب السلطة غاية والثراء هدفا دون أي اعتبار لتوازن واستقرار البلد أو لتنمية ومنعته.
3. وتكاد الساحة الاجتماعية تصل إلى حد الانفجار الانشطاري لما تعاني من الشروخ في تسيجه السكاني وهشاشة نسيجه الضعيف أصلا في ظل غياب معالجات وتوجيهات واقتراح ووضع الحلول الناجعة من لدن الاجتماعيين والمهتمين السياسيين والاقتصاديين بالمعالجات المناسبة وصولا إلى سد التصدعات، وتقوية تماسك المكونات العرقية وحفاظا على الوحدة والوئام واللحمة على خلفية ترابط اجتماعي متين بين أفراد المجتمع المسلم بمختلف فئاته وشرائحه الاجتماعية. وهي المسألة الأكثر إلحاحا والأخطر وقعا على الركودين الثقفي والاقتصادي بحيث ترتبط بهما معالجتها ارتباطا عضويا وجوهريا، علما بأنه لا سبيل مطلقا إلى رفع التحدي المتعلق بهما ما لم يرتكزا ويعكما على حل كل الإشكالات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية الملحة.
هي إذا المثبطات الثلاثة التي تقف حجر عثرة أمام الخروج من ركود عمره ستة عقود وتلقي بظلالها الداكنة على المستقبل وتزل تكرس على أرض الوقع أسباب عنادها على البقاء؛ أساب ما كان لها أن تظل قائمة بعدما انتشر التعليم وأفرز ثلاثة أجيال توزع أفرادها على كل مناحي المعرفة والعلوم والتخصصات والمهن والحرف والعلوم الإنسانية والآداب والفنون العصرية بكل مداركها ومقاصدها وتوجهاتها. مفارقة عجيبة وتناقض صارخ وعلة محيرة وإشكال مربك لبلد يحمل مع ذلك ألف لقب ولقب مضيئة؛ ألقاب باتت أكثر إضرارا على المحفز المعرفي لدى النخب لتكريسها النرجسية والاستعلائية والغرورية وتقليصها النشاط الذهني والعمل الميداني. ف
فمن وسط النخب الثلاثة الفكرية الثقافية والسياسية القيادية والتخطيطية الاقتصادية المتقاعسة يُقدم بالشجاعة الأدبية المطلوبة والحماس الوطني المخلص والتضحية المجردة الجريئة فيشمر عن ساعد الجد وينتشل البلاد والعباد من براثن غول الركود؟