أصدرت الحكومة الموريتانية تعليمات لجميع الأجهزة الإدارية التابعة لها الأسبوع الماضي؛ بضرورة استخدام اللغة العربية في جميع المراسلات الإدارية الخارجية وجميع الوثائق السيادية، وذلك بعد سنوات ظلت فيها الإدارة الموريتانية عصية على التعريب.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها الحكومة الموريتانية اللغة العربية في مراسلاتها الخارجية، وتأتي بعد جدل مستمر منذ سبعينيات القرن الماضي، بشأن اللغة والهوية بموريتانيا المقسمة بين شريحتين، إحداهما تدافع عن الثقافة الفرانكفونية الفرنسية وأخرى ترى في العربية اللغة الرسمية الجامعة لتاريخ البلد وهويته.
ويقول مقربون من الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، إن قرار تعريب المراسلات الأخير لا يحمل أي بعد سياسي ولا يستهدف أي شريحة اجتماعية، في محاولة لطمأنة شريحة الزنوج ذات الثقافة الفرنسية، غير أن البعض أبدى مخاوف من أن يعيد هذا القرار الجدل بشأن اللغة للواجهة من جديد بعد فترة قصيرة هدأ فيها الصراع بين الفرانكفونيين والعرب بموريتانيا.
قرار سيادي
ويرى ناجي محمد الإمام، رئيس مجلس أمناء “جمعية الضاد” التي تهتم باللغة العربية والدفاع عنها، أن القرار الذي تم اتخاذه يعد قرارا سياديا، وقال إنها “خطوة جزئية” لكنها مهمة لتعزيز اللغة العربية بموريتانيا.
واعتبر ناجي محمد الأمام، في تصريح لـ”عربي21“، أن أي جدل قد يثيره هذا القرار سيكون طبيعيا، غير أنه لن يؤثر في شرعية القرار الذي اعتبر أنه يستجيب لتطلعات وثوابت غالبية الشعب الموريتاني كما يستجيب لدستور البلد.
وأضاف: “أمر غريب أن يعتمد بلد مستقل على لغة بلد أجنبي في إصدار وثائقه”، مشددا على أن هذا القرار لن يستجيب لتطلعات ومخططات من قال إنهم ينتمون لـ”ثقافة استعمارية قادمة من وراء المحيط”، بحسب قوله.
واعتبر أن الحجج التي ظلت بعض النخب الموريتانية تدافع بها عن استخدام اللغة الفرنسية في جميع المعاملات الإدارية منذ الاستقلال، والمتعلقة بضرورة الانفتاح على الآخر، هي “حجج واهية”، مضيفا أن على الثقافة العربية أن تنفتح على ثقافات الغير “لكن لا أن تهمش وتستبعد بحجة هذا الانفتاح”.
خدعة دعاة التعريب
في المقابل، اعتبر المحلل السياسي والباحث الموريتاني، المختار ولد نافع، أن القرار ما هو إلا استمرار “لنهج من الاستغلال السياسي لقضية تعريب الإدارة، تظهر فيه الحكومة وكأنها تستجيب للمقتضيات الدستورية الداعية للتعريب، وتطلب رضى الجمهور المتزايد في الإدارة من ذوي الثقافة العربية”، وفق تعبيره.
وقال ولد نافع لـ”عربي21” إن القرار الذي صدر عن الحكومة يمكن النظر إليه على أنه “خدعة لدعاة تعريب الإدارة بخطوات بسيطة كهذه”.
ونفى ولد نافع أن تكون شريحة الزنوج هي العقبة في وجه تعريب الإدارة، مضيفا أن أكبر عقبة في هذا الصدد هي مواقف فرانكفونيين عرب، “في حين يظهر للبعض وكأن المجموعات الزنجية الإفريقية هي التي تحول دون التعريب، والواقع أن هذه المجموعات غائبة عن التأثير في توجهات الدولة، وربما تكون أكثر قبولا للواقع الجديد الذي أصبح فيه للأجيال المتعلمة بالعربية حضور كبير في الإدارة”.
وأبدى ولد نافع قلقه من أن يتسبب ما سماه “الاستغلال السياسي” من طرف الحكومة للموضوع في إذكاء النعرات بين المجموعات الوطنية، ثم “لا يتحقق تعريب الإدارة ولا حتى ازدواجية لغتها”، مستشهدا بالزوبعة التي أثارها الوزير الأول السابق سنة 2010، حينما وصف موريتانيا بأنها بلد عربي، ورفض الإجابة على سؤال من صحفي فرانكفوني بالفرنسية.
وقال ولد نافع: “لم تسفر هذه الزوبعة التي أدت إلى أحداث عرقية في الجامعة، إلا عن تعريب نصفي لوثيقة كشف الراتب”.
مخاوف جدية
من جهته انتقد، آمادو حاميدو سي، وهو كاتب صحفي فرانكفوني موريتاني، تطبيق القرار بهذه السرعة، معتبرا أن اتخاذ قرار وتطبيقه في الأسبوع نفسه؛ يعني استهدافا مباشرا لشريحة اعتمدت في تكوينها في الأساس على اللغة الفرنسية، وفق تقديره.
وقال حاميدو سي، لـ”عربي21“، إن التطبيق السريع لقرارات “مرتجلة” قد يتسبب في عودة التوتر والاحتجاجات، “إذ قد ينظر إليه على أنه استهداف مباشر وحرمان لنخبة معينة”، داعيا إلى التدرج في تنفيذ مثل هذه القرارات، مع اعتماد برنامج لتأهيل الناطقين باللغة الفرنسية على التعامل الإداري باللغة العربية من خلال دورات مكثفة.