الناصرة – “رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
التهديد الذي أشعل المجهود الدوليّ لخلق عالمٍ خالٍ من الأسلحة النوويّة أصبح إلى حدّ ما أكثر وضوحًا على ضوء التقارير التي أشارت إلى أنّ الهجمات الإرهابية الأخيرة في بروكسل تضمنت على ما يبدو مستوى نووي، بعد هجمات بروكسل وقبل القمة الأخيرة للأمن النوويّ، التي عُقدت في واشنطن، نشر رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحذيرًا بأنّ الإرهاب ينتشر، وليس من الممكن استبعاد احتمال استخدام مواد نووية، وفي القمة نفسها أُكّد تهديد الإرهاب النووي، وشارك الحضور في تدريب رمزي يُحاكي هجومًا إشعاعيًا على مدن غربية، هذا ما أكّدته دراسة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ في جامعة تل أبيب.
وتابعت أنّ تنظيم القاعدة كان بالتحديد هو التنظيم الذي لم يخفِ تطلعه إلى حيازة واستخدام أسلحة الدمار الشامل، لكن وقائع الهجوم في بروكسل تظهر إمكانية انضمام إرهابيي “داعش” إلى مثل هذا التوجه في الوقت الراهن إذا ما نجحوا في استغلال نقاط الضعف الأمنية بالمواقع النووية كما ثبت في بروكسل، وبالتالي ربما تستطيع “داعش” تنفيذ هجوم إشعاعي من خلال نشر مواد مشعة، سواء من خلال طائرات غير مأهولة كما أثبت تدريب المحاكاة أوْ عن طريق هجوم جسدي على موقع نووي وإطلاق هذه المواد.
وأوضحت أنّه بعد هجمات بروكسل بيومين قتل حارس في موقع نووي وسرقت بطاقة دخوله، هذا الحدث ينضم إلى حدث وقع في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حيث عثر في شقة للإرهابيين الذين نفذوا الهجمات في بروكسل أشرطة فيديو مصورة تعقبت آثار ضابط كبير يعمل في مركز بحوث نووي في مدينة مول شمالي بلجيكا (المركز الذي ينتج نظائر مشعة)، ربما كانت الفيديوهات جزءًا من تجهيزات لخطفه، هذه الموجودات أثارت تخوفًا من أن “داعش” تسعى إلى مهاجمة مواقع نووية والتسلل إليها وتخريبها أو الحصول على مادة مشعة أو نووية، على حدّ تعبيرها. ورأت أنّ احتمال حدوث إرهاب نووي كان قائمًا حتى قبل أن تدخل “داعش” إلى الحلبة، لكن ورغم تهديدات القاعدة لم يعتبر التهديد عاليًا بشكل خاص.
ولفتت إلى أنّ الحصول على أسلحة الدمار الشامل ليس بالأمر البسيط رغم أنّ الإرهابيين نجحوا في تحقيق أهدافهم بأدوات تقليدية، تفسيرات أخرى بأن ّهذا التهديد ليس تهديدًا مرتفع المستوى، تتضمن حقيقة أنّ معالجة أسلحة الدمار الشامل قد يكون خطيرًا على الإرهابيين أنفسهم أيضًا، وأنه في منتصف هذا الخط فإنهم يخاطرون في ابتعاد الجمهور الداعم لهم عنهم.
ولكن، استدركت الدراسة، صورة رجال “داعش” تثير المخاوف بعدم حدود رقابية تبقى من دون أنْ يخترقها هؤلاء في طريقهم لقتل الكفار، وعلى ضوء رغبتهم في فعل ذلك بالطريقة الأكثر إثارة.
في الواقع وربما في أعقاب النموذج الذي وضعه الأسد فقد اجتازت “داعش” الآن الحافة باتجاه أسلحة الدمار الشامل في المجال الكيميائيّ، ويبدو أنّ “داعش” تنتج مواد كيماوية خاصة بها، بل ربما أن بعضها موجود في سوريّة، عدا عن ذلك فإن البناء التنظيمي الفضفاض نسبيًا للإرهابيين العاملين في أوروبا، تظهر إمكانية أن تواجه مثل هذه الهجمات قيودًا تنظيمية ضعيفة جدًا. إذا كان الأمر كذلك فدلالات مستوى المركزية التي يمتاز بها البناء التنظيمي الداعشي ليست قاطعة، يدور الحديث عن مهاجمين لا يميلوا إلى دراسة أي اعتبارات سوى قوة الضرر الذي يستطيعون التسبب به، ولكلّ هذه الأسباب مجتمعة فإنّ أي دلالة حقيقية على محاولات تحقيق الوصول إلى مواقع أوْ أشخاص في المجال النووي يجب أنْ تعتبر اليوم بجدية كبرى. ولفتت الدراسة إلى أنّ مؤتمرات القمة بلورت مقترحات أساسية للرد على التهديدات عالية المستوى، وبعض المواد النووية أمنت بشكل جيد، رغم ذلك العملية التي أطلقها أوباما هي عملية بعيدة المدى، ويحتمل أن النجاح يقاس أكثر من حيث تقليص التهديد وليس بالقضاء عليه، كذلك من غير الواضح إطلاقًا فيما إذا كان وريث أوباما أو وريثته سيضعان هذا الملف على رأس سلم أولوياتهما.
وأشارت الدراسة إلى أنّ المحاولات الأخيرة في بروكسل، التي قام بها أعضاء “داعش” للتخريب وتحقيق الوصول إلى المواد والعلم في المجال النووي، تؤكّد ضرورة الحاجة الماثلة أمام المجتمع الدولي ليبذل قصارى جهده على المستوى الدولي والإقليمي والعالمي لمنع الإرهابيين من الحصول على القدرة النووية. ووفقًا لها، فإنّه على خلفية الوضع المتقلقل للغاية في الشرق الأوسط، وحقيقة كون “داعش” لديها مؤيدين في غالبية دول الغرب، فهناك سبب معقول للتخوف فيما يخص أمن وتأمين المواد النووية في المنطقة، وعلى رأس الأمر فيما يخص المفاعلات النووية الجديدة التي تبنى، المبادرات التي تدرس اللحظة مثل الإلغاء التدريجي لاستخدام اليورانيوم المخصب تخصيبًا عاليًا في التجارة المدنية وتحقيق السيطرة على إنتاج تخصيب اليورانيوم وتحسين حراسة النووي ما هي إلا بعض من المبادرات التي يُتوقع أنْ تلقى الأفضلية العليا عند مناقشة سبل مواجهة تهديد الإرهاب النووي المتطور، كما أكّدت.